تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكان النبى صلى الله عليه وسلم كلما نزل عليه شئ من الوحى يأمر كُتًّاب الوحى بكتابته فورًا، سماعًا من فمه الطاهر ثم ينشر ما نزل من الوحى بين الناس.

وقد ساعد على سهولة حفظه أمران:

الأول: نزوله (مُنَجَّمًا) أى مفرقًا على مدى ثلاث وعشرين سنة؛ لأنه لم ينزل دفعة واحدة كما كان الشأن فى الوحى إلى الرسل السابقين.

والسبب فى نزول القرآن مُفَرَّقًا هو ارتباطه بتربية الأمة، والترقى بها فى مجال التربية طورًا بعد طور ومعالجة ما كان يجد من مشكلات الحياة، ومواكبة حركة بناء الدعوة من أول شعاع فيها إلى نهاية المطاف.

الثانى: خصائص النظم القرآنى فى صفاء مفرداته، وإحكام تراكيبه، والإيقاع الصوتى لأدائه متلوًّا باللسان، مسموعًا بالآذان، وما يصاحب ذلك من إمتاع وإقناع، كل ذلك أضفى على آيات القرآن خاصية الجذب إليه، والميل الشديد إلى الإقبال عليه، بحيث يجذب قارئه وسامعه واقعًا فى أسره غير ملولٍ من طول الصحبة معه.

وتؤدى فواصل الآيات فى القرآن دورًا مُهِمًّا فى الإحساس بهذه الخصائص. ولنذكر لهذا " مثلاً " من سور القرآن الكريم:

بسم الله الرحمن الرحيم (والعاديات ضبحا * فالموريات قدحا * فالمغيرات صبحًا * فأثرن به نقعًا * فوسطن به جمعًا * إن الإنسان لربه لكنود * وإنه على ذلك لشهيد * وإنه لحب الخير لشديد * أفلا يعلم إذا بُعثر ما فى القبور * وحُصل ما فى الصدور * إن ربهم بهم يومئذ لخبير)

عدد آيات هذه السورة [العاديات] إحدى عشرة آية، وقد وزعت من حيث الفواصل، وهى الكلمات الواقعة فى نهايات الآيات، على أربعة محاور، هى: الثلاث الآيات الأولى، وكل فاصلة فيها تنتهى بحرف الحاء: ضبحا قدحا صبحا.

والآيتان الرابعة والخامسة، كل فاصلة فيهما انتهت بحرف العين: نقعا جَمْعا.

والآيات السادسة والسابعة والثامنة، انتهت فواصلها بحرف الدال: لكنود لشهيد لشديد.

أما الآيات التاسعة، والعاشرة، والحادية عشرة، فقد انتهت فواصلها بحرف الراء: القبور الصدور لخبير.

مع ملاحظة أن حروف الفواصل فى هذه السورة ماعدا الآيات الثلاث الأولى مسبوقة بحرف " مد " هو " الواو " فى: " لكنود " و " الياء " فى: " لشهيد لشديد ".

ثم " الواو " فى: " القبور الصدور ثم " الياء " فى: " لخبير " وحروف المد تساعد على " تطرية " الصوت وحلاوته فى السمع. لذلك صاحبت حروف المد كلمات " الفواصل " فى القرآن كله تقريبًا، وأضفت عليها طابعًا غنائيًا من طراز فريد جذب الإسماع، وحرك المشاعر للإقبال على القرآن بشدة أسره إياهم عن طريق السماع، ليكون ذلك وسيلة للإقبال على فقه معانيه، ثم الإيمان به.

ومن سمات سهولة الحفظ فى هذه السورة أمران:

أنها سورة قصيرة، حيث لم تتجاوز آياتها إحدى عشرة آية.

قصر آياتها، فمنها ما تألف من كلمتين، وهى الآيات الثلاث الأولى. ومنها ما تألف من ثلاث كلمات، وهى الآيتان الرابعة والخامسة. ومنها ما تألف من أربع كلمات، وهى الآيات: السادسة والسابعة والثامنة. وآيتان فحسب كلماتها خمس، وهما العاشرة والحادية عشرة. وآية واحدة كلماتها سبع، هى الآية التاسعة.

ونظام " عقد المعانى " فى السورة رائع كروعة نظمها. فالآيات الثلاث الأولى قَسَمٌ جليل بِخَيْلِ المجاهدين فى سبيل الله.

والآيتان الرابعة والخامسة استطراد مكمل لمعانى المقسم به، شدة إغارتها التى تثير غبار الأرض، وسرعة عَدْوِِهٍَا ومفاجأتها العدوّ فى الإغارة عليه.

ثم يأتى المقسم عليه فى الآية السادسة: " إن الإنسان لربه لكنود ": عاص لله، كفور بإنعامه عليه.

وفى الآية السابعة إلماح إلى علم الإنسان بأنه عاق لربه، شهيد على كفرانه نعمته.

وفى الآية الثامنة تقبيح لمعصية الإنسان لربه، وإيثار حطام الدنيا على شكر المنعم.

أما الآيات الثلاث الأخيرة من (9) إلى (11) فهى إنذار للإنسان الكفور بنعم ربه إليه.

وهذه السمات، ليست وقفًا كلها على سورة " والعاديات " بل هى مع غيرها، سمات عامة للقرآن كله، وبهذا صار القرآن سهل الحفظ لمن حاوله وصدق فى طلبه وسلك الطريق الحق الموصل إليه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير