الإجتماع - و هو ينظر و يتأمل.
ما اراد الشيخ أن يبينه أن بما يسمى بالإعجاز العددي - أصبح كالمتأمل يأخذ الآية - لا يتدبر معناها - وجلس و أخذ قلم و ورقه - ويحسب - كم حرف و كم كلمة و ..... الخ. فجعلته لاهيا عن التدبر في الآيات القرآنية.
رأيت ان مثاله صحيح و منطقي - و أنه واقعي جدا. فالذي يأخذ القرآن - و يجعله كأنه كتاب رياضيات - يلهيه هذا عن التدبر لمعنايه البلاغيه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعقيباً على ما جاء في مداخلة أخينا الإسلام ديني، وردّاً على ما تفضّل به الشيخ البوطي حفظه الله - إن كان هذا كلامه - أقدّم لكم جزءاً من بحث سأنشره قريباً إن شاء الله تعالى. والسؤال الذي سأحاول أن أقدم له إجابة في هذا الفصل من البحث هو: هل أن التعبير الرياضي موجود في القرآن أصلاً؟
البيان الرياضي في التعبير القرآني
إن المتأمّل في القرآن الكريم يجد أنه كتاب جمع أبعاد الزمان، والتقط مفردات الأحداث ورموز الوقائع، وقوافل كافّة المعاني، ليحضرها على متن لوحة تعبيرية موجزة، كان أصدق أسمائها «آية»، هي أعمق من البحر، وأوسع من السماء. هي كذلك، لأنها «آية»! آية تحكي عظمة المبدع، ووحدانية الصانع لتلك الهيكلية المحكَمة، ولذلك النظام الذي يحمل في طيّاته أجمل صور الإبداع والإتقان. إنه الكتاب الذي تحدّى الله به الجنّ والإنس على أن يأتوا بمثله، فعجزوا!
وهذا العجز لم يأتِ من فراغ! ذلك أن الارتباط والتناسق بين مكوّنات القرآن الكريم، هو مطلق في ماهيّته، لأنه كلام فوق الحدوث، وفوق قوانين النطق المادي الذي يتقيّد بالزمان والمكان. فعظمة الكلمات والحروف القرآنية تتجلّى في تصويرها المطلق للأشياء بشكل يطابق تماماً حقيقة وجود هذه الأشياء، حتى لتكون الصورة المنبثقة عن هذه الحقيقة عبارة عن كلمات تنبض هي وحروفها بروح هذه الأشياء. ولذلك نجد أن الكلمات القرآنية، بمجموع حروفها، ومواقع هذه الكلمات في العبارات القرآنية، ومن ثم مواقع العبارات في الآيات والسور القرآنية، كلها ترتبط بصورة مطلقة في المسائل التي تصفها وتعبّر عنها، ومن ثم تصوّر المسائل بشكل مطابق تماماً للواقع الذي تبحث فيه هذه المسائل.
وهذا ما يدفعنا في الحقيقة إلى البحث عن أسرار الكلمات القرآنية، التي تعطي لكل جيل ما يناسب معرفته وعلمه، حول ماهيّة الأشياء التي تصفها، دون أن يناقض ذلك المفاهيم التي تعطيها هذه الكلمات لغيره من الأجيال. ولذلك سنتعرّض في هذا الباب من البحث إلى مجموعة من الأمثلة، التي من شأنها أن تتيح لنا فهم كيفية تداخل الكلمات القرآنية في معادلات التصوير المطلق للعبارات القرآنية، ولندرك كيف أن موقع الكلمة في العبارة القرآنية، يرتبط ارتباطاً مطلقاً بالمعاني التي تحملها العبارة التي تنتمي إليها. ولبيان مرجعيّة القرآن لهذه الطلاقة الفريدة، نحتاج أن نقف عند بعض المفاهيم والمصطلحات، التي من شأنها أن تساعدنا على إدراك هذا التصوير المطلق والمقصود.
اللّغة والمنطق والقرآن
يجيب النصّ القرآني عن أسئلة الوجود والكون والحياة والمصير. وهو يجيب عن ذلك بشكل فنّي لا يمكن فهمه إلا بفهم لغته أولاً، لأن اللّغة التي نزل بها القرآن ليست مجرّد مفردات وتراكيب، وإنما تحمل في مضمونها رؤيا مطلقة للإنسان وللحياة وللكون. فلا عجب إذن أن دهشة العرب الأولى إزاء القرآن كانت لغوية محضة، حيث فتنهم بلغته، جمالاً وفناً، فكانت هي المفتاح المباشر الذي فتح لهم الأبواب لدخول عالَم النصّ القرآني والإيمان بدين الإسلام.
ولذلك يمكن القول إن المسلمين الأوائل الذين شكّلوا النواة الصلبة الأولى في الدعوة إلى الإسلام قد آمنوا بالقرآن لكونه نصّاً بيانياً امتلكهم. فَهُمْ لم يؤمنوا به لأنه كشف لهم عن أسرار الكون والإنسان، أو لأنه قدّم لهم نظاماً جديداً للحياة، بل لأنهم رأوا فيه لغة لا عهد لهم بما يشبهها. فبلغة القرآن تغيّر كيانهم النفسي، وبلغته تغيّرت حياتهم، حتى صار هو نفسه وجودهم. فأجمعوا على أن القرآن كتاب فريد لم يروا مثله من قبل، وأقرّوا بأنه لا يمكن مضاهاته ومحاكاته، واتفقوا على أنه نقض لعادة الكتابة شعراً، وسجعاً، وخطابة، ورسالة، وأن نظمه عجيب وغريب. ولهذا لا يمكن الفصل، على أي
¥