تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[04 Jun 2004, 04:02 م]ـ

يؤكد القرآن أنه لا يمكن للملائكة أن تعصى الله (66: 6) و مع ذلك فقد عصى إبليس الذي كان من الملائكة، كما في الآية (2: 34) فأيهما صحيح؟

الجواب:

الملائكة مخلوقات مجبولة على طاعة الله و عبادته و التسبيح له و به. . فم لا يعصون الله، سبحانه و تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم: 6).

و مع تقرير هذه الآية أن هؤلاء الملائكة القائمين على النار {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}. . يقرر القرآن الكريم أن إبليس - و هو من الملائكة - في قمة العصيان و العصاة: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (البقرة: 34).

و هناك إمكانية للجمع بين معاني الآيتين، و ذلك بأن نقول: إن عموم الملائكة لا يعصون الله، سبحانه و تعالى، فهم مفطورون و مجبولون على الطاعة. . لكن هذا لا ينفي وجود صنف هم الجن - و منهم إبليس، شملهم القرآن تحت اسم الملائكة - كما وصف الملائكة أيضاً بأنهم جنة - لخفائهم ز استتارهم -. . و هذا الصنف من الجن، منهم الطائعون ز منهم العصاة. .

و في تفسير الإمام محمد عبده (1265 - 1323ه/1849 - 1905م) لآية سورة البقرة: 34 - يقول:

"أي سجدوا إلا إبليس، و هو فرد من أفراد الملائكة، كما يفهم من الآية و أمثالها في القصة، إلا أن آية الكهف فإنها ناطقة بأنه كان من الجن. . و ليس عندنا دليل على أن بين الملائكة و الجن فصلاً جوهرياً يميز أجدهما عن الآخر، و و إنما هو اختلاف أصناف، عندما تختلف أوصاف. فالظاهر ان الجن صنف من الملائكة. و قد اطلق القرآن لفظ الجنة على الملائكة، على رأي جمهور المفسرين في قوله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} (الصافات: 158) و على الشياطين في آخر سورة الناس" (1).

و نحن نجد هذا الرأي أيضاً عند القرطبي - في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن) - فيقول:

" وقال سعيد بن جبير: إن الجن سبط من الملائكة خلقوا من نار وإبليس منهم، وخلق سائر الملائكة من نور. . والملائكة قد تسمى جنا لاستتارها، وفي التنزيل: {وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً} (الصافات: 158)، وقال الشاعر في ذكر سليمان عليه السلام:

وسخر من جن الملائك تسعة:: قياما لديه يعملون بلا أجر " (2)

فلا تناقض إذاً بين كون الملائكة لا يعصون الله. . و بين عصيان إبليس - و هو من الجن، الذين أطلق عليهم اسم الملائكة - فهو مثله كمثل الجن هؤلاء منهم الطائعون و منهم العصاة.


(1) (الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده) ج4 ص133. دراسة و تحقيق: د. محمد عمارة. طبعة دار الشروق. القاهرة سنة 1414ه سنة 1993م.
(2) (الجامع لأحكام القرآن) ج1 ص294 - 295 – مصدر سابق -.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير