ويفسر بدر الدين الروداكي، مسؤول بمكتبة معهد العالم العربي, هذه الظاهرة بكونها انعكاسا طبيعي لرغبة الفرد، عندما يريد إزالة الغشاوة عن جهله بحقائق الأمور، ويشبه ذلك بما حدث أثناء العرض الأول لفيلم (المصير) ليوسف شاهين، فالكثير من الناس كانوا متعطشين وقتئذ لمعرفة كل الحقيقة عن ابن رشد الفيلسوف الذي شغل زمانه. إن شغف المعرفة يولد طاقة لدى الفرد لاكتساب المزيد من المعلومات، إنها غريزة المعرفة لا غير، لذلك وجد الغرب نفسه الآن محتاجا إلى القرآن لتفسير ما وقع وإيجاد أجوبة مقنعة لذلك.
وأمام تعدد القراءات، فإن استيعاب معاني القرآن بدا لدى البعض مستعصيا، ف"بريفو" ,الربان المتقاعد, حاول مرارا أن يفهم دلالات بعض الآيات بيد أنه لم يستطع لذلك سبيلا, ليخلص إلى القول بأنه وجد نفسه أمام حقيقتين: إما أن القرآن نص معقد أو أنه لا يتوفر لديه طاقة ذهنية لإستيعابه. يقول الروداكي: إن القرآن كلام الله, إنه البيان, والقارئ لا يملك سوى التخشع لفهم معانيه, لذلك فترجمته لا تعدو أن تكون محاولة لنقل المعنى لا غير، وهذا ما ينتج عنه أخطاء تمس المعنى، فيكثر الإبهام والغموض.
ومن الأكيد أن الترجمة الخاطئة للقرآن تسيء أيضا للقارئ الغربي الذي يصعب عليه فهم الدين الإسلامي, لذلك يمكن اعتبارها سببا مباشرا في تعدد التأويلات حول معاني بعض الآيات القرآنية.
والى جانب المعاني والدلالات، فالقرآن كتاب الله يرتل لكي ينفذ إلى الوجدان, لذلك وجدت في الإسلام مدارس قرآنية لتجويده.
والأحكام التي يصدرها القراء حاليا حول القرآن لا ترتكز على أساس لان الظروف المفاجئة التي برزت فيها تعكس طبيعة تسرعها, مما يدعو إلى الانتباه والحذر في آن واحد. لكن ثمة قراء لا يعيرون لهذه الأحكام اهتماما، كما هو الشأن بالنسبة إلى سيسيل, وهي تلميذة في العلوم التطبيقية وشديدة الولع بالقرآن , إذ تعتقد بأن القرآن لا يحمل في طياته تلك الصورة السلبية التي لدى البعض في أذهانهم, " وأن ما يروج حوله لا يمكن وصفه إلا بالشائعات"، والتوراة القديمة عاشت الوضع نفسه, لذلك فإن الأمر يقتصر بالنسبة إليها على معرفة معاني القرآن قبل كل شيء للتعبير عنها بلغة مفهومة.
لقد نزل القرآن على النبي محمد منذ ما يزيد على 14 قرنا، في شبه الجزيرة العربية وانتشر عن طريق الحفظة والرواة في زمن كانت القافلة هي السبيل الوحيدة للتواصل بين الشعوب والامصار, لذلك حينما تجد آيات تدعو إلى مواجهة العنف بالعنف فإن المطلوب من القارئ هو فهم تلك الآيات في سياقها. فالرسول مثلا واجه تهديدات قريش وهاجر من مكة إلى المدينة، ورغم ذلك تمت ملاحقته لإيذائه، فكلما ابتعدنا عن السياق التاريخي للآية ووضعناها في سياق مطلق، إلا وتولد عن ذلك غموض وتناقض في المعنى والدلالة لدى القارئ العادي, ويضيف عبد الهادي الطويل عبد العزيز، مقيم بفرنسا من أصل جزائري ويملك مقهى صغيرة بالدائرة الخامسة في باريس: "إن القرآن يدعو إلى التسامح، إنه الدين الوحيد الذي يعترف بالديانتين الأخريين".
لقد تعددت النقاشات حول التسامح والعنف، وأثير غير ما مرة مصطلح الجهاد، والقرآن كان المصدر والنواة الأساسية لهذه الآراء، لأنه مثل جميع النصوص الدينية الهامة الأخرى حي ونابض بالمعاني والدلالات، لذلك وجب فهمه جيدا وإدراك الحقائق الغامضة فيه والبحث عن المعرفة الحقيقية حتى نستطيع التفريق بين ماهو خطأ وما هو صحيح.
إن الزائر لأرشيف المكتبة الوطنية ومعهد العالم العربي، سينبهر، عندما يسرق لحظات من وقته للاطلاع من باب الفضول أو حبا في المعرفة على المخطوطات النادرة التي تعود إلى العصر الوسيط، وهي تركن في هدوء وسكينة في رفوف بديعة، تحفظ في مكنونتها بخط كوفي ومداد مذهب أسرارا من تاريخ الإنسانية, و"كارولين باستلير" ليست سوى واحدة من الزائرات التي حينما قرأت بعضا من القرآن استنتجت أن تصريحات الطالبات بتحريم اللعب والضحك ما هو إلا بهتان لا يرتكز على منطق.
أكيد أن الغرب أدرك الآن أن القراءة الجيدة للقرآن تعني بالأساس فهم حقيقة الإسلام، وأكيد أنه عرف بأن أول آية نزلت على النبي (محمد) كانت إقرأ.
(إقرأ) لها دلالة في الزمان والمكان منذ ما يزيد على 14 قرنا، والآن أدرك الغرب أن لهذا الفعل نفس الدلالة في هذا الزمان.
منقول من موقع الإسلام اليوم.
ـ[خلوصي]ــــــــ[24 Jun 2010, 06:58 م]ـ
مادة دسمة شيخنا للتوسم في منهج الموسوعة القصصية و تنوّع مادتها ... فلذا جئت بها بعد ست سنوات من الأرشفة http://www.tafsir.net/vb/images/icons/icon7.gif !!
و كأنها و أمثالها تدعوني أكثر إلى المماطلة في كتابة ما كلفتموني به ... فكلما توسعت الآفاق تأخر الإعداد خاصة مع حب الكمال الذي أرّقني فمنعني سنوات طويلة من إخراج أي بحث كتبته إلى دائرة الأضواء ... على أن دائرة أهل التفسير جذابة إلى درجة لا أظنها إلا ملقية بي على غير ما عهدته من نفسي! فاللهم بارك لهذا الحي ... بارك بارك.
¥