تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن كثيرا من الأزواج فى المجتمعات النصرانية هم فى الواقع مطلَّقون، لكنْ طلاقًا غير رسمى، وهم يسمونه: " انفصالا ". وفى هذه الأثناء التى قد تطول سنين، كثيرا ما يصعب على الزوج والزوجة، تحت ضغط الغرائز، أن يمتنعا عن ممارسة الجنس فى الحرام، فلماذا كل هذا الإعنات؟ وحَتَّامَ يستمر هذا العناد والنفاق؟

إن الطلاق شديد البغض إلى الله كما قال صادقا سيدنا رسول الله، لكن الظروف قد تضطر الواحد منا إلى فعل ما هو بغيض تجنبا لما هو أفدح وأنكى. ومن هنا كان الطلاق عندنا حلالا رغم كونه بغيضا، أى أن المسلم لا يُقْدِم عليه إلا إذا سُدَّت فى وجهه جميع السبل الأخرى حسبما يعرف كل من له أدنى إلمام بالشريعة الإسلامية.

كذلك يسىء الأوغادُ الأدبَ مع سيدنا رسول الله، إذ يتهمونه بالكفر والقتل وسفك الدماء والمجىء بدين يقوم على إكراه الناس على اعتناقه برهبة السيف وتهديم بيوت عبادتهم. افترَوْا ذلك عليه فى أكثر من سورة من سورهم المزيفة الكاذبة التى أوحى بها الشيطان إليهم فى أدبارهم ك " سورة القتل " و" سورة الماكرين " و" سورة الطاغوت " و" سورة المحرِّضين " و" سورة الملوك "، زاعمين أن دينهم يقوم على المحبة والسلام!

وأَوَّلَ كلِّ شىء لا بد أن نلفت الأبصار إلى أن المسيح لم يمض عليه فى النبوة أكثر من ثلاث سنوات ليس إلا، ومن ثم لا يمكن التحجج بأنه لم يشرع لأتباعه قتال من يعتدون عليهم. كما أنه لم يكن يعيش فى دولة مستقلة، فضلا عن أن يكون هو الحاكم فيها مثلما هو الحال مع الرسول محمد عليه السلام، وإذن فقياس الوضعين أحدهما على الآخر خطأ أبلق وأبله معا. وهذا لو أن السيد المسيح، حسبما تحكى قصةَ حياته الأناجيلُ التى بين أيدينا، كان فعلا وديعا متسامحا دائما مثلما يحب النصارى أن يعتقدوا ويعتقد الآخرون معهم. فما أكثر الشتائم واللعنات التى كان يرمى بها فى وجوه اليهود بل فى وجوه تلاميذه أيضا، من مثل قوله لأحد اليهود: " يا مُرَائى " (متى / 7/ 5)، وقوله لتلاميذه ينصحهم ألا يهتموا بمن لا يستطيعون فهم دعوته: " لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تلقوا جواهركم قدام الخنازير لئلا تدوسها بأرجلها وترجع فتمزّقكم " (متى / 7/ 6)، وقوله لبعض الفَرّيسيّين: " يا أولاد الأفاعى " (متى / 12/ 3)، وقوله لأهل كورزين وصيدا: " الويل لك يا كورزين! الويل لك يا بيت صيدا! " (متى /11/ 21، ولوقا / 10/ 13)، وقوله لمن طلبوا منه آية: " إن الجيل الشرّير الفاسق يطلب آية " (متى / 12/ 38، و 16/ 4)، وقوله عن غير الإسرائيليين ممن يريدون أن يستمعوا لدعوته ليهتدوا بها: " ليس حسنا أن يؤخَذ خبز البنين ويُلْقَى للكلاب " (متى/ 15/ 26)، وقوله لبطرس أقرب تلاميذه إليه حسبما أشرنا من قبل: " اذهب خلفى يا شيطان " (متى / 16/ 23، ومرقس / 8/ 33)، وقوله لحوارييه: " أحتى الآن لا تفهمون ولا تعقلون؟ أَوَحَتَّى الآن قلوبكم عمياء؟ * لكم أعين، أفلا تبصرون؟ ولكم آذان، أفلا تسمعون ولا تذكرون؟ " (مرقس/ 8/ 17)، وقوله لبعض الفَرِّيسِيّين: " أيها الجهال ... ويل لكم أيها الفريسيون " (لوقا / 11/ 39 – 50)، وقوله عن فَرِّيسِىّ آخر: " هذا الثعلب " (لوقا/ 13/ 32). ولا ينبغى فى هذا السياق أن نهمل ما صنعه مع الباعة فى الهيكل حين قلب لهم موائدهم وكراسيّهم وسبّهم وساقهم أمامه حتى أخرجهم من المعبد (مرقس/ 12/ 15 – 17)، وكذلك قوله لحوارييه: " أتظنون أنى جئت لأُلْقِى على الأرض َسلاما؟ لم آت لألقى سلاما لكنْ سيفا * أتيتُ لأفرِّق الإنسان عن أبيه، والابنة عن أمها، والكَنَّة عن حماتها " (متى / 10/ 34 – 35)، وقوله أيضا فى نفس المعنى: " إنى جئت لألقى على الأرض نارا، وما أريد إلا اضطرامها " (لوقا / 12/ 44).

من هذا يتبين أن الصورة الوديعة تمام الوداعة التى يرسمها النصارى للسيد المسيح ليست حقيقية، بل هى من مبالغاتهم التى اشتهروا بها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير