تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كذلك زعم "بلاشير" أن سورة "الكهف" قد خضعت لتحويرات أخرى بعد أن اكتشف أن الآيات 9 - 25 من سورة "الكهف" ينبغى أن يعاد النظر فى ترتيبها، بل إنه رتبها فعلا، فجعل مجموعة الآيات من 9 إلى 16 مضافًا إليها الآيتان 24 - 25، ومجموعة الآيات من 13 إلى 16، عبارة عن روايتين لشىء واحد، أى أنهما نصٌّ واحدٌ أُورِدَ بروايتين مختلفتين. وهو ما يعنى أن إحدى المجموعتين زائدة لا لزوم لها ( Blachere, Le Coran, PP. 318- 319). من الذى أفتى لبلاشير بهذا؟ لا أحد بالطبع إلا شيطان السخف! وهَبْه كان مقتنعا فعلا بهذا الذى يزعم، أولم يكن ينبغى أن يورد النص القرآنى كما هو بما وقع فيه من عبث أو اضطراب على حسب أوهامه، ثم فَلْيُعَلِّقْ فى الهامش بما يعنّ له؟ لكن هذا ليس هو المراد، ولن يحقق له أهدافه الإبليسية، فالمقصود هو إيقاع الشك والارتياب فى النص القرآنى لإفقاده قدسيته وجلاله فيتعود القارئ على أن يتعامل معه على أنه نص عادى من النصوص التى يصنعها البشر بما يمكن أن يصيبه ما يصيب أى نص بشرى من عبث ونسيان وإضافة وحذف وتقديم وتأخير ... إلخ. وهذا الهدف لا يتم على الوجه الناجع إلا إذا تقدم أحدهم ونفذه على أرض الواقع، ولم يكتف بالكلام النظرى الذى لا يمكن أن يكون فى قوة التطبيق العملى. ومن هنا أراد بلاشير أن يكون هو "الفأر الزردوق" الذى يعلّق الجُلْجُل فى رقبة القط ويحصل له الشرف، شرف الإساءة إلى العلم والحق، بل إلى الشرف نفسه!

وهاتان هما المجموعتان المشار إليهما من آيات سورة "الكهف"، أضعهما تحت بصر القارئ كى يرى بنفسه الرقاعة البلاشيرية: "أم حسبتَ أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا؟ /9* إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا: ربنا، آتنا من لدك رحمة وهَئِّ لنا من أمرنا رشدا/10* فضربنا على آذانهم فى الكهف سنين عددا/11* ثم بعثناهم لنعلم أىُّ الحزبين أَحْصَى لما لبثوا أمدا/12* ولبثوا فى كهفهم ثلاثمائةٍ سنين وازدادوا تسعا/ 24* قل: الله أعلم بما لبثوا. له غيب السماوات والأرض. أَبْصِرْ به وأَسْمِعْ! ما لهم من دونه من ولىٍّ، ولا يشرك فى حكمه أحدا/25" (مج 1) - "نحن نقصّ عليك نبأهم بالحق. إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى/13* وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا: ربُّنا ربُّ السماوات والأرض. لن ندعو من دونه إلها. لقد قلنا إذن شططا/14* هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة. لولا يأتون عليهم بسلطانٍ بيِّن؟ فمن أَظْلَمُ ممن افترى على الله كذبا؟ /15* وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فَأْوُوا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهئِّ لكم من أمركم مِرْفَقا/16" (مج2). والآن أيمكن أن يكون لهذا الكلام التافه أية قيمة؟ أويمكن أن المجموعتين كانتا، كما يفترى هذا الأعجمى الخبيث، نصًّا واحدًا لكنه ورد بروايتين مختلفتين؟ إن كلا من النصين يتناول الموضوع من زاوية مختلفة ويورد تفاصيل مختلفة عما ينظر منه ويورده الآخر، وهذا من الوضوح بمكان إلا بالنسبة لمن أعمى الله قلبه وجعل على بصره غشاوة، فهو لا يهتدى للحق سبيلا!

والآن نحب أن ننظر فى أمر بلاشير لنرى مدى تمكنه من اللغة التى يتجرأ ذلك التجرؤ العجيب على كتابها المقدس كى نعرف هل تؤهِّله معرفته إياها لمثل هذا التجرؤ أو لا، وسوف يكون فَحْصِى لقدرته من خلال ترجمته لهذا الكتاب ذاته ومدى فهمه له: إنه مثلا يترجم "ألا" الاستفتاحية فى كل مواضعها من القرآن المجيد على أن معناها: "أليس ... ؟ "، فمثلا "ألا إنهم هم السفهاء! " (البقرة/ 11) تتحول على يديه المباركتين إلى "أليسوا هم السفهاء؟ "، و"ألا لعنة الله على الظالمين" (الأعراف/ 21) تصبح "أليست لعنة الله على الظالمين؟ " ... وهلم جرا. أما كلمة "كبيرة" فى قوله تعالى عن أولئك الذين لم يستطيعوا أن يستوعبوا مغزى تحويل القبلة فى المدينة من الشَّمال ناحيةَ بيت المقدس إلى الجنوب جهةَ الكعبة المشرفة: "وإنْ كانت (أى مسألة تحويل القبلة) لَكبيرةً إلا على الذين هَدَى الله" (البقرة/ 143)، أى أمرًا كبيًرا لا يفهمون بعقولهم الغبية العنيدة مغزاه ولا يسهل على نفوسهم فيه تقبل حكم الله، فإنه بذكائه الحاد يترجمها على أساس أن معناها: " كبيرة من الكبائر". وفى قوله سبحانه من نفس الآية: "وما كان الله لِيُضِيع إيمانكم"، أى لا يمكن أن يظلمكم، يترجمها السيد السَّنَد بمعنى "إن الله لا يستطيع أن يضيع إيمانكم". أى أنه فى الوقت الذى تنفى فيه الآية عن الله الظلم، ينفى بلاشير عنه سبحانه الاستطاعة! كما أنه فى قوله تعالى: "قل: يا أهل الكتاب، تعالَوْا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم: ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله. فإن تَوَلَّوْا فقولوا:اشهدوا بأنا مسلمون" (آل عمران/ 64)، يترجمه بما يجعل معناه: "تعالوا إلى كلمة سواء: أننا، مثلَكم، لن نعبد إلا الله"، محوِّلاً الآية هكذا من التبكيت للنصارى ودعوتهم إلى نبذ التثليث واتباع سنة الإسلام فى التوحيد الذى جاء به المسيح عليه السلام، إلى العمل على استرضائهم وجعلهم هم الأصل الذى يتعهد الرسولُ بأن يضعه نصب عينيه ويحتذيه! كذلك ففى قوله سبحانه مخاطبا الرسول: "وإمّا يُنْسِيَنَّك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين" (الأنعام/ 68)، بمعنى أنه إن حدث أيها المؤمنون أن نسيتم فلم تغادروا المجالس التى يستهزئ فيها المشركون بآيات الله، فلا تكرروها بعد ذلك، نراه يترجمها بـ"ولسوف ينسيك الشيطان هذا النهى بكل تأكيد ... " ... إلخ. ويستطيع القارئ أن يجد أمثلة أخرى لهذه الأخطاء البلاشيرية العبقرية فى كتابى "المستشرقون والقرآن- دراسة لترجمات نفر من المستشرقين الفرنسيين للقرآن وآرائهم فيه" (دار القاهرة/ 1423هـ- 2003م/ 55 - 66). والغريب بعد ذلك كله أن نجد لبلاشير كتابا فى النحو العربى (بالاشتراك مع ديمومبين)، فكيف يكون الحال لو لم يكن مؤلفا لمثل هذا الكتاب؟

هذا ما عنّ لى أن أكتب به إليك، والآن أتركك فى رعاية المولى وحفظه، مع تمنياتى الطيبة، والسلام!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير