إماماً يبنى على مذهبه ويقتفى طريقه. فلعل متأخراً أن يفسر حرفاً برأيه ويخطئ فيه ويقول:إمامي في تفسير القرآن بالرأي فلان الإمام من السلف وعن ابن أبي مليكة قال: سئل أبو بكر الصديق t عن تفسير حرف من القرآن فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني! وأين أذهب! وكيف أصنع! إذا قلت في حرف من كتاب الله تعالى بغير ما أراد تبارك وتعالى) تفسير القرطبي 1/ 33 - 34.
وقال الإمام ابن العربي المالكي: [من تسور على تفسير القرآن فصور صورة خطأ فله الويل، ومن أصاب فمثله، كما روى أبو عيسى وهكذا قال النبي عليه السلام في القاضي أنه إذا حكم بجهل وأصاب فله النار لإقدامه على ما لا يحل في أمر يعظم قدره وهو الإخبار عن الله بما لم يشرع في حكمه أو إخباره عن ما لم يرده بقوله في وحيه) عارضة الأحوذي 11/ 52.
ثانياً: لا شك أن الله سبحانه وتعالى حث على الاتعاظ والاعتبار بآيات القرآن الكريم قال الله تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) سورة القمر الآية 17.وهذه الآية تمسك بها القصاص الجدد ليفتحوا لأنفسهم باب القول في القرآن الكريم وفق أهوائهم وشهواتهم فيرون أنه لا يوجد أية شروط لمن أراد الادكار أي التفسير حتى لو كان كافراً.
وهذا الكلام الباطل يرده ما قاله المفسرون في معنى الآية وهو (والله لقد سهلنا القرآن للحفظ والتدبر والاتعاظ لما اشتمل عليه من أنواع المواعظ والعبر (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أي فهل من متعظ بمواعظه معتبر بقصصه وزواجره) انظر تفسير الألوسي 14/ 83. تفسير ابن كثير 6/ 50، صفوة التفاسير 3/ 286.
إن الادكار والاتعاظ والاعتبار شيء والتلاعب بكتاب الله شيء آخر ولا يقبل بحال من الأحوال أن يقول إنسان مهما كان برأيه في كتاب الله ثم يقول إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان فلو قال إنسان مثلاً إن المراد بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) البقرة هي عائشة رضي الله عنها ثم يقول هذا رأيي فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فالله ورسوله منه بريئان!!! هل يكون هذا الكلام مقبولاً؟ بالتأكيد لا، لأن التفسير له قواعده وأصوله.
قال الشيخ مناع القطان رحمه الله: [ذكر العلماء للمفسر شروطاً نجملها فيما يلي:
1. صحة الاعتقاد: فإن العقيدة لها أثرها في نفس صاحبها، وكثيراً ما تحمل ذويها على تحريف النصوص والخيانة في نقل الأخبار، فإذا صنف أحدهم كتاباً في التفسير أوَّل الآيات التي تخالف عقيدته، وحملها باطل مذهبه، ليصد الناس عن اتباع السلف، ولزوم طريق الهدى.
2. التجرد عن الهوى: فالأهواء تدفع أصحابها إلى نصرة مذهبهم، فيغرون الناس بلين الكلام ولحن البيان، كدأب طوائف القدرية والرافضة والمعتزلة ونحوهم من غلاة المذاهب.
3. أن يبدأ أولاً بتفسير القرآن بالقرآن، فما أُجمل منه في موضع فإنه قد فصل في موضع آخر، وما اختصر منه في مكان فإنه قد بسط في مكان آخر.
4. أن يطلب التفسير من السنة فإنها شارحة للقرآن موضحة له، وقد ذكر القرآن أن أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما تصدر منه عن طريق الله (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ) النساء: 105.
وذكر الله أن السنة مبينة للكتاب: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) النحل: 44.
وقال رسول الله e:( ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) يعني السنة. وقال الشافعي رضي الله عنه: [كل ما حكم به رسول الله e فهو مما فهمه من القرآن] وأمثلة هذا في القرآن كثيرة، جمعها صاحب الإتقان مرتبة مع السور في آخر فصل من كتابه كتفسير السبيل بالزاد والراحلة، وتفسير الظلم بالشرك، وتفسير الحساب اليسير بالعرض.
5. فإذا لم يجد التفسير من السنة رجع إلى أقوال الصحابة رضي الله عنهم فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن والأحوال عند نزوله، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح.
¥