تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بالتوحيد والعبودية". أما هذه الآية بتمامها فهي: "ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تُعلِّمون الكتابَ وبما كنتم تدرسون".

والواضح أن معنى هذه الآية ينصرف إلى الأنبياء على وجه الخصوص، بل أجزم أن المقصود فيها على وجه التحديد هو عيسى عليه السلام؛ بدليل سياق الآية, وهو ما يعني أنها موجهة لمن يدخل في جنس "الإنسان"، بتعريف الدكتور شاهين.

بل إن كلمة " بشر" لا يمكن أن تفهم في بعض الآيات إلا على أنها تدل على "الرجل". وذلك في مثل الآية التي ذكرتها هنا والآية (20) في سورة مريم: "قالت أَنَّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر" (مريم، 20). فمن الواضح أن مريم عليها السلام تستغرب، في هاتين الآيتين، أن تلد غلاما من غير أن يمسها رجل؛ إذ لا يمكن أن تخاف من أن تمسها امرأة في هذا السياق. يضاف إلى ذلك أن هاتين الآيتين تصوران حدثا وقع في زمن يدخل فيما يطلق عليه الدكتور شاهين "زمن التكليف"؛ أي أنه وقع في طور "الإنسان"، لا طور "البشر"، إذا استعملنا مصطلحات المؤلف. فاستخدام كلمة "بشر" في هاتين الآيتين ينفي المعاني التي يراها الدكتور شاهين لهذه الكلمة؛ وهي بذلك دليل ضد فرضيته في هذا الكتاب التي تحصر مفهوم كلمة "بشر" على الطور الذي سبق الإنسان المكلف. كما أن الآيات الكريمة الأخرى تدل دلالة أكيدة على أن المقصود إنما هو الإنسان الذَّكر، أي الرجل.

لقد تناقض شاهين مع نفسه من حيث لا يدري, فتناقض في تفسيره لكلمة البشر, فقال: (البشر) لفظ عام في كل مخلوق أبدعه الله من طين ظهر على سطح الأرض، يسير على قدمين، منتصب القامة. وقال في مكان آخر: كلمة "بشر" تطلق على الأطوار القديمة التي كان عليها الإنسان قبل اصطفاء الله لآدم من بين بقية المخلوقات التي يطلق عليها بشر. والبشر عند عبد الصبور " ليس أهلا لتلقي الكتاب والحكم والنبوة "، أي ليس أهلا للـ"التكليف" بمصطلح الدكتور شاهين. فهو يقضي بأن "البشر" نوع بدائي قديم لم يؤهله الله لتلقي الكتاب ولم يؤته الحكم ولا النبوة التي اختص بها الإنسان. أقول: فلتحدد موقفك يا دكتور, هل البشر هو كل مخلوق من طين (وهذا التعريف يشمل كل من يطلق عليه إنسان في عرف الدكتور)؟! أم هو من ليس أهلا للتكليف (وهذا يخرج كل من يطلق عليه إنسان في عرفه المزعوم أيضا). إن لفظ "البشر" يرد في مجال التكليف كقوله تعالى: "وما هي إلا ذكرى للبشر" (المدثر31) , "نذيرا للبشر" (المدثر36). فهذا يدل على أن البشر "يُنذَرون" و"يُذكَّرون". وهو مما يدل على اكتمال مؤهلاتهم العقلية واللغوية أيضا، وأنهم وصلوا إلى مرحلة التكليف التي تدل على مستوى "الإنسان" في اعتقاد الدكتور. لذلك فإن تمييزه بين الكلمتين باطل عاطل لا معنى له.

ويزداد التناقض بقوله: بين (البشر والإنسان) عموما وخصوصا, فكل إنسان بشر، وليس كل بشر إنسانا. أقول: يا دكتور, كيف يكون كل إنسان بشر, والبشر ليس أهلا للتكليف على حد قولك .. ؟!! فنحن عندما نقول كل شيء كذا, فهذا "الشيء" يجب أن يكون شاملا لكل مواصفات ومقومات الـ "كذا ". هذا مثل قولنا: كل رسول نبي, وليس كل نبي رسول. فكل رسول فيه كل مواصفات ومقومات النبي, ويزيد عليه بأشياء أخرى .. , فتأمل منصفا.

ب_ بمعنى "نبي" أو "أنبياء": حيث تأتي كلمة "بشر" كذلك في سياق الحديث عن الأنبياء عليهم السلام؛ وذلك في وصف الله سبحانه وتعالى للأنبياء بأنهم من جنس الإنسان. كما تأتي في وصف الأنبياء لأنفسهم بأنهم من بني الإنسان وإنما فُضِّلوا على غيرهم بالاختصاص بالرسالة. وتأتي كذلك في الدلالة على استنكار أقوام الأنبياء أن يرسل الله تعالى رجالا منهم أنبياء. وقد حدث كل ذلك في الفترة التي يمكن أن يسميها الدكتور شاهين بفترة طور "الإنسان". وذلك كما في قوله تعالى: "ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكمة والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلِّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون" (آل عمران 79). وهذا هو المعنى الذي نجده كذلك في الآيات:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير