تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كانت هذه المجزرة دافعاً قوياً للتلاميذ " المدللين " إلى الهجرة من لبنان إلى مصر، وخلافاً لما يؤكده بعض الباحثين من أن هجرة هؤلاء المفكرين كانت لأسباب وعوامل سياسية واجتماعية وثقافية وبحثاً عن الحرية، فإني لا أستبعد أن تكون هذه الهجرة نتيجة لمؤامرة دبرت، وخطة رسمت في الأروقة الغربية، وأوعز بتنفيذها إلى هؤلاء المتغربين، ومن ثم نقلوا نشاطهم من لبنان إلى مصر.

وكان من هؤلاء المهاجرين فرنسيس مراش بين عامي 1867 – 1873 م وخليل سعادة، ونجيب حداد بين عامي 1867 – 1899 م وشبلي شميل هاجر إلى الإسكندرية سنة 1886م وفرح أنطون هاجر سنة 1897 م واستقر في مصر أيضاً كل من يعقوب صروف، ونقولا حداد، وفارس نمر.

وأما في مصر:

فقد كانت حملة نابليون التي بدأت سنة 1798 م 1213 هـ بداية الغزو الصليبي الحديث، ولكنه هذه المرة يختلف عن الحملات الصليبية السابقة، فقد جند معه العقول، وكل ما وصلت إليه الحضارة الغربية من منجزات مادية وفكرية وثقافية لتسهم معه في تكريس هذا الغزو وتوطيد أركانه وكان لهذه الحملة أثران:

إيجابي: حيث قامت بدور الصاعق الكهربائي الذي يجعل النائم يصحو، والمريض ينتفض وينشط وكان ذلك قد لفت أنظار المسلمين إلى واقعهم المتردي، وانحطاطهم المتفاقم عن ركب الحضارة.

سلبي: حيث رافق هذه الحملة ملابسات، وأعراض مرضية أخذت تتفشى وتنتشر في المجتمع المصري من أزياء وعادات وأخلاق، بالإضافة إلى الفكر الوافد الذي زرعه نابليون في عقول بعض الفئات وبدأ ينمو حتى أينعت ثماره فيما بعد على يد سلامة موسى وأمثاله.

لقد جاء الفرنسيون معهم بكل ما نشاهده اليوم من مظاهر للعلمانية في الأخلاق والسلوك والفكر، فقد قتل نابليون عدداً كبيراً من العلماء، ودنس جنوده المقدسات، وزينوا للمصريين مخالفة دينهم بالممارسات الشنيعة، فتأثراً بهم خرجت المرأة المصرية عن حشمتها، وحجابها، واختلطت بهم، وكان الهدف الأكبر للفرنسيين هو قلب التقاليد الإسلامية المصرية. ورافق هذا الاحتلال محاولات متواصلة وجهود مكثفة لقطع الشعوب الإسلامية " الغافية " عن ماضيها وتراثها ودينها ولغتها، وصبغها بصبغات غربية، وإشاعة الفواحش والمنكرات والعادات الغربية بين أبناء المسلمين، وساعد على ذلك الفقر الشديد الذي تعانيه المجتمعات الإسلامية نتيجة للاستعمار، والحكام والملوك المستبدين الذين صنعهم الاستعمار ووطد سلطانهم لخدمة مصالحه واستفحل نتيجة لذلك الجهل والأمية، وظل التعليم محصوراً في بعض الطبقات الثرية، والأسر الأرستقراطية.

وقد أدرك المستعمر أن تغيير الفكر، وغسل الأدمغة يجب أن يتم قبل أي مشروع آخر وذلك لتسهيل مهمته في استعباد الشعوب واستغلالها، وجعلها دائماً في دوامة التبعية الحضارية والحاجة إلى الوصاية والانتداب، فكانت دراسات المستشرقين الهائلة التي وُظِّفت لها أموالٌ طائلة وبُذلت من أجلها جهودٌ جبارة، وكانت في معظمها قائمة على التزوير والتحريف والافتراء.

ومن هنا ظلت أعين المسلمين دائماً تنظر إلى الإنتاج الاستشراقي بالريبة والحذر بل غالباً ما يتعامل معها المسلمون على أنها جهود استعمارية معادية، والحسن فيها استثناءً نادرٌ، ولذلك رأى المستعمر أن يصنع لهذه الأمة قادة من أبنائها يربيهم على موائده، ويعلمهم في معاقله، ثم يفيض عليهم من إحسانه، ويمرغهم في إنعامه، ويغمسهم في ملذاته، ويسديهم من خيراته، ثم يضفي عليهم من الشهرة والمجد ما يجعلهم محط الأنظار وقادة الأفكار، ورواد الإصلاح، وزعماء التجديد إنها نصيحة زويمر للمبشرين: "" تبشير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول من أنفسهم ومن بين صفوفهم لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها "".

وهذا ما فعله الغرب المستعمر فأبرز من أبرز وطمس من طمس، وكان الذين برزوا هم الذين أخلصوا لسادتهم المستعمرين، وتحقق هؤلاء السادة من عمالتهم ودناءتهم فجعلوهم نجوماً للأمة يَهدُونها إلى التغرُّب، ويزينون لها التأوْرُب.


سؤال:
لنعد إلى (تفكير) الفكر العلماني، يقول العلمانيون: " نحن لا نريد للدين أن يتدخل في السياسة، الاجتماع، الاقتصاد .. ". لكنهم هم يتدخلون في الدين، ألا تجد في ذلك مفارقة؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير