تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

خامساً: الثنائية الحادة والمتناقضة في تاريخ العلاقة بين لاهوتيين لا عقول لهم يمثلون الكنيسة، وعلماء طبيعيين لا أرواح ولا قلوب لهم يمثلون الدنيوية والمادية. ولا ننسى هنا الانفصام الشديد بين أخلاق الزهد والضعف والاستكانة التي تكرسها المسيحية، وبين الواقع الذي كان يعيشه الرهبان والبابوات من بذخ وفساد وترف، مما أفقد المسيحية الواقعية القابلة لإمكانية التطبيق.


سؤال:
لماذا يستعصي الإسلام على العلمنة؟

إذا ما قورنت عوامل استسلام المسيحية للعلمانية بما يقابلها في الإسلام وجدنا:
أولاً: الله عز وجل – في الإسلام - ليس خالقاً عاطلاً عن العمل إنه - سبحانه وتعالى - خالق ومدبر " أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ " [الأعراف: 54] بل إنه قيوم السماوات والأرض، أي إن استمرار قيام الكون بإرادته عز وجل " إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا " [فاطر: 41] وهو ما كرسه الأشاعرة في نظرية الخلق المستمر. إن الله عز وجل إذا قطع إمداده للكون بالوجود تلاشى بما فيه.
ثانياً: علاقة الدين بالدنيا قائمة على الوصل وليس الفصل، فالدنيا خادمة للدين، وهي مزرعة الآخرة، وهي دار العبور، ولا بد من التزود منها " وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ " ولكن الآخرة هي المراد والمقصد " وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ... " [القصص: 77].
ثالثاً: الأخلاق في الإسلام واقعية لا تُحلِّق في المثالية، ومن شاء أن يسمو إلى المثالية فهو وذاك. إن المراد في الإسلام هو العدل، أما الإحسان فهو لمن أراد أن يتجاوز الحدود البشرية ويقترب من الملائكية، فالإسلام لا يمنعه بل يبارك له جهاده " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ " [العنكبوت: 69]، ولن يضيع الله عز وجل عمله " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ " [البقرة: 143] وسيكافئه على ذلك " فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه " [الزلزلة: 7]. ولكن النزول عن مرتبة العدل إلى الظلم هو المرفوض.
رابعاً: ليس هناك مقابلة بين العقل والنقل في الإسلام، إن ما يقابل العقل هو الجنون، إننا نقرأ النقل بالعقل ونفهمه به، والنقل هو القائد والهادي والمرشد.
خامساً: الوضوح: فالعقائد في الإسلام واضحة لا لبس فيها ولا غموض ولا رموز ولا أسرار ولا تعقيدات، أما في المسيحية فالعقائد غير مفهومة مبنية على الغموض والرموز ولذلك يقولون لك " آمن ثم أفهم " أما في الإسلام " إفهم ثم آمن " " وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسؤولاً " [الإسراء: 36].

ـ[عبدالرحيم]ــــــــ[21 Jan 2006, 02:56 م]ـ
إخوتي بهذا تنتهي المقابلة مع الأخ الفاضل الدكتور أحمد الطعان ..

ونفتح باب الأسئلة للإخوة في هذا الملتقى ...

وأرجو من الأخ أحمد الطعان الإجابة عن السؤالين التاليين:

1. كيف تردون على المستدلين بالتاريخ في عدم صلاحية أحكام القرآن الكريم للتطبيق.

2. ما هي أخبث وأخطر مذاهب العلمانيين على القرآن الكريم.

وشكراً

ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[21 Jan 2006, 08:08 م]ـ
إخوتي بهذا تنتهي المقابلة مع الأخ الفاضل الدكتور أحمد الطعان ..

ونفتح باب الأسئلة للإخوة في هذا الملتقى ...

وأرجو من الأخ أحمد الطعان الإجابة عن السؤالين التاليين:

1. كيف تردون على المستدلين بالتاريخ في عدم صلاحية أحكام القرآن الكريم للتطبيق.

2. ما هي أخبث وأخطر مذاهب العلمانيين على القرآن الكريم.

وشكراً

بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الفاضل الأستاذ عبد الرحيم أشكرك على ثقتك وبارك الله في جهودك
أما فيما يتعلق بالاستدلال العلماني بالتاريخ فيكتنفه مغالطات:
- أولاً: أن التاريخ نُقل إلينا بغثه وثمينه والخطاب العلماني اعتاد على البحث في القمامة ولذلك فهو لا يرى في تاريخنا الوجه المشرق ولا يرى فيه إلا اللحظات المظلمة.
- ثانياً: على العلمانيين أن يأتونا بأزمة تاريخية أو حضارية أوقعنا فيها القرآن الكريم وليس انفصام المسلمين عنه.
- لماذا نتجاهل أن تاريخنا في أصله ومعظمه تاريخ مشرف والحالات البائسة حالات استثنائية لا يمكن اعتبارها معياراً للصلاح أو عدمه في تاريخ الأمم.
- إن وجود مذاهب متعددة ومختلفة في الإسلام لهو دليل ناصع على التعددية الفكرية والمساحة الواسعة المتاحة للاختلاف وهذا ما أنتجه الهدي القرآني في الأمة.

وأما فيما يتعلق بأخبث مذاهب العلمانيين:

فكلهم خبثاء لأنهم إما باحثون عن الشهرة أو عن أهوائهم وملذاتهم وكل ذلك على حساب الحقيقة.
والمخدوعون منهم سرعان ما يكتشفون العبث ويعودون إلى الجادة القويمة.
ومع ذلك يمكن القول إن أكثرهم دهاء ومكراً هم المؤولة أو بعبارة أصح المقوّلة وهم الذين يمارسون هدم الدين من داخله وبأدوات تبدو للناظر الساذج مشروعة ... إنه الهدم والتفكيك كما صرح كثير منهم عن طريق التأويل المنفلت، فهم لا يظهرون التنكر للدين والرفض له وإنما القبول ومن ثم محاولة اللعب. تماماً كما فعل بولس بالمسيحية وكما حاول أن يفعل ابن سبأ لكن الله عز وجل حفظ هذه الأمة بحفظه لكتابها المبارك.
والله أعلم.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير