تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فقال بشير: فلك علي عهد الله وميثاقه وما أخذ الله عز وجل على النبيين وما أخذ النبيون على الأمم: أني لا أغدر بك ولا أمحل بك ولا أبغي بك باغية سوء وأني إذا سمعت الحق انقدت إليه.

المناظرة الأولى

قال الشيخ: أما ما وصفتَ من صفة الله عز وجل, فقد أحسنت الصفة. وأما ما لم يبلغ علمُكَ ولم يستحكم عليه رأيك أكثر, والله أعظم وأكبر مما وصفتَ, فلا يصف الواصفون صفته.

وأما ما ذكرت من هاذين الرجلين, فقد أسأت الصفة. ألم يكونا يأكلان الطعام ويشربان ويبولان ويتغوطان وينامان ويستيقظان ويفرحان ويحزنان؟

قال بشير: بلى.

قال الشيخ: فلم فرقتم بينهما؟

قال بشير: لأن عيسى ابن مريم كان له روحان اثنان في جسد واحد: روح يعلم بها الغيوب زما في قعر البحار وما ينحاث من ورق الأشجار. وروح يبرئ بها الأكمه والأبرص ويحيي بها الموتى.

قال الشيخ: روحان اثنان في جسد واحد؟

قال بشير: نعم.

قال الشيخ: فهل كانت القوية تعرف موضع الضعيفة منهما أم لا؟

قال بشير: قاتلك الله, ماذا تريد أن تقول إن قلتُ إنها لا تعلم؟ وماذا تريد إن قلتُ إنها تعلم؟

قال الشيخ: إن قلتَ إنها تعلم, قلتُ: فما يغني عنها قوتها حين لا تطرد هذه الآفات عنها؟ وإن قلتَ "إنها لا تعلم, قلتُ: فكيف تعلم الغيوب ولا تعلم موضع روح معها في جسد واحد؟ فسكت بشير.

قال الشيخ: أسألك بالله هل عبدتم الصليب مثلا لعيسى بن مريم أنه صُلب؟

قال بشير: نعم.

قال الشيخ: فبرضىً كان منه أم بسخط؟

قال بشير: هذه أخت تلك, ماذا تريد أن تقول؟

[قال الشيخ] إن قلتَ: برضى منه.

قلتُ: ما نقمتم: أعطوا ما سألوا وأرادوا؟

وإن قلتَ: بسخط.

قلتُ: فلم تعبدون ما لا يمنع نفسه؟

ثم قال الشيخ لبشير: نشدتك بالله, هل كان عيسى يأكل الطعام ويشرب ويصوم ويصلي ويبول ويتغوط وينام ويستيقظ ويفرح ويحزن؟

قال: نعم.

قال الشيخ: نشدتك بالله, لمن كان يصوم ويصلي؟

قال بشير: لله عز وجل, ثم قال بشير: والضار النافع, ما ينبغي لمثلك أن يعيش في النصرانية, أراك رجلا قد تعلمت الكلام, وأنا رجل صاحب سيف, ولكن غدا آتيك بمن يخزيك الله على يديه.

ثم أمره بالانصراف.

المناظرة الثانية

فلما كان من غد, بعث بشير إلى الشيخ, فلما دخل عليه إذا عنده قس عظيم اللحية.

قال بشير للقس: إن هذا الرجل من العرب له علم وعقل وأصل في العرب, وقد أحبَّ الدخول في ديننا, فكلمه حتى تُنَصِّرَه,

فسجد القس لبشير وقال: قديما أتيت إلى الخير وهذا أفضل مما أتيت إلي.

ثم أقبل القس على الشيخ فقال: أيها الشيخ, ما أنت بالكبير الذي ذهب عقله وتفرق عنه حِلمه, ولا أنت بالصغير الذي لم يستكمل عقله ولم يبلغ حلمه, غدا أغطسك في المعمودية غطسة تخرج منها كيوم ولدتك أمك.

قال الشيخ: وما هذه المعمودية؟

قال القس: ماء مقدس.

قال الشيخ: ومن قدسه؟

قال القس: قدسته أنا والأساقفة قبلي.

قال الشيخ: فهل كان لكم ذنوب وخطايا:

قال القس: نعم, غير أنها كثيرة.

قال الشيخ: فهل يُقَدِّسُ الماء من لا يقَدِّسُ نفسه؟

فسكت القس, ثم قال: إني لم أقدسه أنا.

قال الشيخ: فكيف كانت القصة إذن؟

قال القس: إنما كانت سُنَّة من عيسى بن مريم.

قال الشيخ فكيف كان الأمر؟

قال القس: إن يحيى بن زكريا أغطس عيسى بن مريم بنهر الأردن غطسة ومسح برأسه ودعا له بالبركة.

قال الشيخ: فاحتاج عيسى إلى يحيى يمسح رأسه ويدعو له بالبركة؟ فاعبدوا يحيى خير لكم من عيسى إذن؟

فسكت القس, فاستلقى بشير على فراشه وأدخل كمه في فيه وجعل يضحك, وقال للقس: قم أخزاك الله, دعوتك لتُنَصِّرَه فإذا أنت قد أسلمت.

ثم إن أمر الشيخ بلغ الملك؛ فبعث إليه, فقال: ما هذا الذي بلغني عنك وعن تنقصك ديننا ووقيعتك؟

قال الشيخ: إن لي دينا كنت ساكتا عنه, فلما سئلت عنه لم أجد بدا من الذب عنه ذببت عنه.

قال الملك: فهل في يدك حجج؟

قال الشيخ: نعم, ادع إلي من شئت يحاججني؛ فإن كان الحق في يدي؛ فلم تلومني عن الذب عن الحق؟ وإن كان الحق في يديك, رجعت إلى الحق.

المناظرة الثالثة

فدعا الملك بعظيم النصرانية, فلما دخل عليه سجد له الملك ومن عنده أجمعون.

قال الشيخ: أيها الملك, من هذا؟

قال الملك: هذا رأس النصرانية, هذا الذي تأخذ النصرانية دينها عنه.

قال الشيخ: فهل له من ولد أم هل له من امرأة أم هل له من عقب؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير