[5] و أما قولهم إنه جمع الناس على مصحف فباطل ما كان يقدر على ذلك لما ذكرنا ولا ذهب عثمان قط إلى جمع الناس على مصحف كتبه إنما خشي رضي الله عنه أن يأتي فاسق يسعى في كيد الدين أو أن يهم و هم من أهل الخير فيبدل شيئا من المصحف يفعل ذلك عمدا وهذا و هما فيكون اختلاف يؤدي إلى الضلال فكتب مصاحف مجتمعا عليها وبعث إلى كل أفق مصحفا لكي إن وهم واهم أو بدل مبدل رجع إلى المصحف المجتمع عليه فانكشف الحق وبطل الكيد والوهم فقط.
[6] وأما قول من قال أبطل الأحرف الستة فقد كذب من قال ذلك ... بل الأحرف السبعة كلها موجودة عندنا قائمة كما كانت مثبوتة في القراءات المشهورة المأثورة والحمد لله رب العالمين.
عن كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 2/ 64 - 65.
[اعتراض أورده ابن حزم على النصارى]
قال أبو محمد: ومما يُعتَرض به على النصارى وإن كان ليس برهانا ضروريا على جميعهم لكنه برهان ضروري على كل من تقلد منهم الشرائع التي يعمل بها الملكيون والنساطرة واليعاقبة والمارقية قاطع لهم وهي مسألة جرت لنا مع بعضهم, وذلك أنهم لا يخلون من أحد وجهين إما أن يكونوا يقولون ببطلان النبوة بعد عيسى عليه السلام وإما أن يقولوا بإمكانها بعده عليه السلام [1] فإن قالوا بإمكان النبوة بعده عليه السلام لزمهم الإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم إذ ثبت نقل أعلامه بالكواف التي بمثلها نقلت أعلام عيسى وغيره عليهم الصلاة والسلام.
[2] وإن قالوا ببطلان النبوة بعد عيسى عليه السلام لزمهم ترك جميع شرائعهم من صلاتهم وتعظيمهم الأحد وصيامهم وامتناعهم من اللحم ومناكحتهم وأعيادهم واستباحتهم الخنزير والميتة والدم وترك الختان وتحريم النكاح على أهل المراتب في دينهم إذ كل ما ذكرنا ليس منه في أناجيلهم الأربعة شيء البتة بل أناجيلهم مبطلة لكل ما هم عليه اليوم إذ فيها أنه عليه السلام قال لم آت لأغير شيئا من شرائع التوراة وأنه كان يلتزم هو وأصحابه بعده السبت وأعياد اليهود من الفصح وغيره بخلاف كل ما هم عليه اليوم فإذا منعوا من وجود النبوة بعده, وكانت الشرائع لا تؤخذ إلا عن الأنبياء عليهم السلام, وإلا فإن شارعها عن غير الأنبياء عليهم السلام حاكم على الله تعالى وهذا أعظم ما يكون من الشرك والكذب والسخف فشرائعهم التي هي دينهم غير مأخوذة عن نبي أصلا فهي معاص مفتراة على الله عز وجل بيقين لا شك فيه.
عن كتاب الفصل 1/ 59.
---.
[اعتراض آخر عليهم]
وفي إنجيل متى أن المسيح قال لهم: أنا أقول لكم كل من سخط على أخيه بلا سبب فقد اتسوجب القتل". [متى5:22]
و [قال أيضا]:" إن أضرت إليك عينك اليمنى فافقأها وأذهبها عن نفسك فذهابها عنك أحسن من إدخال جسدك الجحيم وإن أضرت إليك يدك اليمنى فابرأ منها فذهابها منك أحسن من إدخال جميع جسدك النار" [متى 5: 29 - 30].
قال أبو محمد: وهذه شرائع يقرون أن المسيح عليه السلام أمرهم بها, وكلهم بلا خلاف من أحد منهم لا يرون القضاء بشيء منها, فهم على مخالفة المسيح بإقرارهم.
[أ] وهم لا يرون الختان, والختان كان ملة المسيح وكان مختوناً.
[ب] والمسيح وتلاميذه لم يزالوا إلى أن ماتوا يصومون صوم اليهود, ويُفصحون فِصحهم, ويلتزمون السبت إلى أن ماتوا.
وهم [يعني النصارى] قد بدلوا هذا كله.
[1] وجعلوا مكان السبت الأحد.
[2] وأحدثوا صوماً آخر بعد أزيد من مائة عام بعد رفع المسيح فكفى بهذا كله ضلالاً وكفراً. وليس منهم أحد يقدر على إنكار شيء من هذا.
فإن قالوا إن المسيح أمرهم باتباع أكابرهم.
قلنا: لا عليكم, أرأيتم لو أن بطاركتكم اليوم اجتمعوا على إبطال ما أحدثه بطاركتكم بعد مائة عام من رفع المسيح وأحدثوا لكم صياماً آخر ويوماً آخر غير يوم الأحد وفصحاً آخر, وردوكم إلى ما كان عليه المسيح من تعظيم السبت وصوم اليهود وفصحهم أكان يلزمكم اتباعهم؟
فإن قالوا لا.
قلنا ولم؟ وأي فرق بين اتباع أولئك وقد خالفوا ما مضى عليه المسيحُ والحواريون, وبين اتباع هؤلاء فيما أحدثوه آنفاً؟
فإن قالوا إن أولئك لعنوا ومنعوا من تبديل ما شرعوا.
قلنا لهم وأي لعن وأي منع أعظم من منع المسيح من تبديل شيء من عهود التوراة, ثم قد بدله من أطعتموه في تبديله له, فقد صار منعُ من بعد المسيح أقوى من منعِ المسيح.
وإن قالوا نعم كنا نتبعهم, أقروا أن دينهم لا حقيقة له وأنه إنما هو اتباع ما شرعه أكابرهم من تبديل ما كانوا عليه.
ويقال لهم أرأيتم إن أحدث بعض بطارقتكم شرائع, وأحدث الآخرون منهم [شرائع] أُخَر, ولعنت كل طائفة منهم من عمل بغير ما شرعت, فكيف يكون الحال؟
فأي دين أنتن أو أوسخ أو أضل أو أفسد من دين من هذه صفته.
ولقد كان لهم فيما أوردنا في هذا الفصل كفاية في بطلان كل ما هم عليه, لو كان لهم مُسكة عقل.
عن كتاب الفصل 2/ 20.
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[02 Jan 2006, 08:16 م]ـ
أخي الفاضل دكتور سمير:
ما أفضل طبعات "الفصل" لابن حزم؟
¥