تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فمن ذلك ما يروى أن النصارى أتوا إلى رسول الله r فخاصموه في عيسى ابن مريم: وقالوا له من أبوه؟ وقالوا على الله الكذب والبهتان، فقال لهم النبي r ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت وأن عيسى يأتي عليه الفناء؟ قالوا بلى: قال ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه؟ قالوا بلى: قال: فهل يملك عيسى من ذلك شيئاً؟ قالوا: لا. قال أفلستم تعلمون أن الله عز وجل لا يخفى عليه شيء لا في الأرض ولا في السماء؟ قالوا: بلى، قال: فهل يعلم عيسى من ذلك شيئاً إلا ما علم؟ قالوا: لا: قال: فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء فهل تعلمون ذلك؟ قالوا: بلى. قال: ألستم تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يحدث الحدث؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة، ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها، ثم غذي كما يتغذى الصبي؟ ثم كان يطعم الطعام، ويشرب الشراب، ويحدث الحدث، فكيف يكون هذا كما زعمتم؟ ([25]) قال الراوي: فعرفوا ثم أبوا إلا جحوداً، فأنزل الله تعالى} الم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ {([26]).

واضح من خلال هذه الرواية كيف يستخدم معهم النبي الكريم r الأدلة البرهانية والبديهية التي لا يجحدها إلا مكابر أو معاند فالإله لا يمكن أن يدخل في بطن امرأة، ولا يمكن أن يأكل الطعام، ول [27] ا يحدث الحدث لأن هذه صفات نقص لا تليق بالكمال الإلهي، وقد خلت المناظرة كما نلاحظ من التعقيدات والتقسيمات الجدلية، وهذه عادة القرآن الكريم وعادة النبي r أن الاستدلال يكون واضحاً جلياً بديهياً يقنع الأمي الجاهل كما يقنع العالم المتبحر.

وهذا الاستدلال النبوي الشريف، ومثله الاستدلال القرآني:} إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {([28]) وقوله عز وجل:} مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ {([29]).

لقد كان هذان الاستدلالان القرآني والنبوي أسوة حسنة لكل المجادلين المسلمين تقريباً فلا نجد مجادلاً إلا ويرفض دعوى ألوهية المسيح مستنداً إلى عوارض البشرية، ومظاهر الإنسانية التي كان عيسى متلبساً بها، والتي عبرت عنها نصوص الأناجيل بكل صراحة ووضوح.

ومن الأمثلة التي أفحم النبي r فيها أهل الكتاب ما جاء أنه أتي برجل وامرأة من اليهود قد زنيا فقال لليهود ما تصنعون بهما؟ قالوا: نسخِّم ([30]) وجوههما ونخزيهما قال r : فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين، فجاؤوا فقال لرجل ممن يرضون: يا أعور إقرأ، فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها، فوضع يده عليها، قال: ارفع يدك، فرفع يده، فإذا فيه آية الرجم تلوح، فقال: يا محمد: إن عليهما الرجم ولكنا نكاتمه، فأمر بهما فرجما، فرأيته يجانئ ([31]) عليها بالحجارة ([32]). لقد ألزمهم النبي r بالتحريف، وكتمان الحق فلم يجد أعورهم مناصاً من الاعتراف بذلك.

ونكتفي بهذه الأمثلة القرآنية الكريمة، والنبوية الشريفة التي تدل دلالة واضحة على أن القرآن الكريم والسنة النبوية كانا دافعاً قوياً، وحافزاً كافياً لاستثارة كل مسلم صادق في إسلامه للدفاع عن الإسلام والدعوة إليه.


([1]) سورة الزخرف آية 58.

([2]) سورة غافر آية 4.

([3]) سورة غافر آية 5.

([4]) سورة الحج آية 8 وسورة لقمان آية 20.

([5]) سورة الحج آية 3.

([6]) سورة النحل آية 125.

([7]) سورة العنكبوت آية 46.

([8]) سورة البقرة آية 111 وسورة النحل 64.

([9]) سورة يونس آية 68.

([10]) سورة هود آية 32.

([11]) سورة مريم الآيات 42 – 48.

([12]) سورة البقرة آية 258، 259.

([13]) سورة آل عمران الآيات 182 – 183.

([14]) سورة المائدة الآيات 72 – 77.

([15]) سورة النحل آية 51.

([16]) سورة الأنبياء آية 22.

([17]) سورة المؤمنون آية 91.

([18]) سورة القصص آية 71 – 73.

([19]) سورة النمل الآيات 59 – 64.

([20]) سورة الإسراء الآيات 94، 95.

([21]) سورة الأنعام الآيات 7 – 9.

([22]) انظر فصل المقال لبن رشد ص 31.

([23]) سورة النحل آية 125.

([24]) سورة الأحزاب آية 21.

([25]) هذه الرواية ذكرها الطبري عند قوله تعالى " الم، الله لا إله إلا هو الحي القيوم " سورة آل عمران آية 1، 2.

([26]) سورة آل عمران آية 1.

([28]): سورة آل عمران آية 59.

([29]) سورة المائدة آية 75.

([30]) نسخم: أي نسوِّد. والسخم: السواد. انظر القاموس المحيط ص 1010.

([31]) يجانئ: أي يميل عليها ليقيها الحجارة بنفسه جنأ عليه: أكب عليه انظر القاموس المحيط ص 36.

([32]) الحديث: أخرجه البخاري في كتاب التوحيد رقم 7543 وأحمد في مسنده – مسند المكثرين من الصحابة رقم 4484.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير