تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن المعلوم أن التواتر قد يثبت عند قوم، ولا يثبت عند آخرين وخاصة المتقدمين منهم، فيحمل عليه اختلافهم في البسملة الذي سيزول عند اطلاعهم على تواترها في قراءة، وعدم تواترها في أخرى.

فإذا كان ذلك كذلك فلا يبعد أن يكون الإمام مالك لم تصله البسملة بطريق متواتر والذي ثبت عنده متواترا عدم قرآنيتها، وكذلك الحال بالنسبة للأئمة المتقدمين، من أثبتها منهم وصلته متواترة، ومن نفاها لم تصله كذلك.

وهذا الذي أشرت إليه هو ما فهمه ابن الجزري من صنيع الشافعي حيث يقول: "ومما يحقق لك أن قراءة أهل كل بلد متواترة بالنسبة إليهم أن الشافعي رضي الله عنه جعل البسملة من القرآن مع أن روايته عن شيخه مالك تقتضي عدم كونها من القرآن، لأنه من أهل مكة وهم يثبتون البسملة بين السورتين ويعدونها من أول الفاتحة آية، وهو قرأ قراءة ابن كثير على إسماعيل القسط عن ابن كثير فلم يعتمد في روايته عن مالك في عدم البسملة لأنها آحاد واعتمد قراءة ابن كثير لأنها متواترة " ([26]).

وقد بين ابن حزم رحمه الله تعالى مسألة قراءة البسملة في الصلاة أحسن بيان، وهو في جملته يؤيد ما ذهبت إليه حيث يقول:"مسألة: ومن كان يقرأ برواية من عد من القراء بسم الله الرحمن الرحيم آية من القرآن لم تجزه الصلاة إلا بالبسملة وهم:عاصم بن أبي النجود وحمزة والكسائي وعبد الله بن كثير وغيرهم من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم. ومن كان يقرأ برواية من لا يعدها آية من أم القرآن فهو مخير بين أن يبسمل وبين أن لا يبسمل، وهم: ابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وفي بعض الروايات عن نافع. وقال مالك لا يبسمل المصلي إلا في صلاة التراويح في أول ليلة من الشهر، وقال الشافعي لا تجزيء صلاة إلا ببسم الله الرحمن الرحيم.

قال علي – يعني ابن حزم نفسه - وأكثروا من الاحتجاج بما لا يصح من الآثار مما لا حجة لأي الطائفتين فيه. مثل الرواية عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم لا قبلها ولا بعدها. وعن أبي هريرة مثل هذا.

قال علي: وهذا كله لا حجة فيه لأنه ليس في شيء من هذه الأخبار نهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قراءة بسم الله الرحمن الرحيم وإنما فيها أنه عليه السلام كان لا يقرؤها، وقد عارضت هذه الأخبار أخبار أخر، منها: ما روينا من طريق أحمد بن حنبل حدثنا وكيع ثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم. وروينا أيضا: " فلم يجهروا ببسم الله الرحمن الرحيم" فهذا يوجب أنهم كانوا يقرءونها ويسرون بها وهذا أيضا لا إيجاب فيه لقراءتها وكذلك سائر الأخبار.

قال علي: والحق من هذا أن النص قد صح بوجوب قراءة أم القرآن فرضا، ولا يختلف اثنان من أهل الإسلام في أن هذه القراءات حق كلها مقطوع به، مبلغة كلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام عن الله عز وجل …فقد وجب - إذ كلها حق - أن يفعل الإنسان في قراءته أي ذلك شاء وصارت بسم الله الرحمن الرحيم في قراءة صحيحة آية من أم القرآن، وفي قراءة صحيحة ليست آية من أم القرآن، مثل لفظة "هو" في قوله تعالى في سورة الحديد " هو الغني الحميد " وكلفظة " من" في قوله تعالى " من تحتها الأنهار " في سورة براءة على رأس المائة آية هما من السورتين في قراءة من قرأ بهما، وليستا من السورتين في قراءة من لم يقرأ بهما، ومثل هذا في القرآن وارد في ثمانية مواضع ذكرناها في كتاب القراءات، وآيات كثيرة وسائر ذلك من الحروف يطول ذكرها ". ثم قال: والقرآن أنزل على سبعة أحرف كلها حق وهذا كله حق وهذا كله من تلك الأحرف بصحة الإجماع المتيقن على ذلك وبالله تعالى التوفيق" ([27]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير