يعنون بذلك أن علما من العلوم-الفزياء مثلا- يقترح تفسيرا معينا للظواهر الطبيعية فيستمر يحقق نجاحات ظاهرة وباهرة حتى إذا فشل جزئيا في التفسير المقنع وبدأت المشاكل تتراكم والظواهر الجديدة تبقى بدون تفسير اضطر العلماء إلى هجر مسلمات ومنطلقات علمهم القديم واستحدثوا مفاهيم ومنطلقات جديدة هذه هي القطيعة الابستملوجية .... ومثالها قطيعة كوبرنيك مع فزياء أرسطو وقطيعة اينشتاين مع نيوتن ....
لكن المصيبة أن العلم القديم المقطوع عنه لا يعني فقدان المصداقية مطلقا والتخلي عنه نهائيا ..... (تذكر دائما أن المطلق لا معنى له عند العلماء)
فقد يظهر العلم الفاشل بمظهر آخر فيزيح العلم الجديد ..... ومن مشهور مفردات علم الفزياء تخبط الفزياويين في طبيعة الضوء:
قيل إنه مويجات ...... وأثبتوا ذلك بتجارب.
وقيل إنه حبيبات ..... واثبتوا ذلك بتجارب مضادة حتى قيل ماتت النظرية السابقة ...
لكنها لم تمت وعادت من جديد ....
وقيل الضوء يجمع بين الطبيعتين أخذا بمنطق التجارب ..... لكن المنطق الأرسطي يرفض ذلك حسب مبدأ الثالث المرفوع ..... توشك المسألة أن تخلق أزمة وقد تكون النتيجة قطيعة أخرى ...
وعلى كل حال لا بد من قطيعة في المستقبل سواء بسبب طبيعة الكهرباء أو بسبب أمر آخر لان العلم عندهم هو الدينامي المتغير فإذا ثبت أصبح دينا .... وموقف الغربيين من الدين معروف.
الآن جل العلم الطبيعي يتوزع إلى مجالين:
-مجال الأصغر.
-مجال الأبعد.
أعني بالأول عالم الذرة فما تحتها.
واعني بالثاني عالم المجرة فما فوقها.
والقاسم الابستملوجي بين المجالين هو الاحتمال وارتفاع التجريب .... (أذكر هنا أن الشاعر الفرنسي سان جون بيرس عندما تسلم جائزة نوبل للآداب ألقى في المجمع خطابا عقد فيه مقارنة بين الشعر والفزياء!!!)
نعم، التجريب الذي كان فخر العلم الوضعي أصبح غير ممكن .... وحتى لو أمكن فهو مشكوك في مصداقيته ..... ومن يطلع على هجاء برتراند راسل للتجريب يدرك حجم فقدان التجربة للمعانها القديم .....
وفقهاء العلم من أمثال كارل بوبر ولا كتوش وغيرهما يصرون على أن العلم ينبغي أن يستند إلى "نماذج" لا على تجارب ...... لأن التجربة –عمليا- محال في المتناهي في الصغر ... وهي اشد استحالة في ماوراء السماء الدنيا ..... فليس في وسع العالم إلا أن يتخيل نموذجا منطقيا رياضيا لتفسير الظواهر (تذكروا مثلا ان نيل بور تخيل النواة على شكل المنظومة الشمسية) .... ثم يحاول غيره تدمير ذلك النموذج بالكشف عن عيوبه .... وفي الوقت ذاته يقوم صاحب النموذج بالدفاع والتصحيح .... إلى أن يتسع الخرق على الراقع ..... فينصرف عن نموذجه إلى نموذج آخر لن يكون مصيره أحسن .....
ولعل مفهوم "تخيل نموذج" هو الذي جرأ الشاعر الفرنسي على مقارنته الشعر بالفزياء .... فعالم الفزيائي القائم على مفردات: انفجار عظيم وأوتار صوتية وثقوب سوداء وبيضاء كثقوب الدودة وتوسع او انكماش شبيه بآلة العزف الاكورديون ....
ليست أكثر مصداقية من عالم ابن الرومي الذي يرى الأرض امراة متبرجة بعد خفر تتعرض للمطر تعرض الأنثى للذكر .....
الخلاصة .... ليس العلم الحديث إلا نماذج .....
والنمذجة افتراض عقلي مشروط بالانسجام الداخلي والقدرة على التفسير الخارجي ....
ليس ثمة نموذج واحد أو دائم ....... لأن العلم لا يقف ......
وقوف العلم معناه كهنوت ...
فلينظر المسلمون بعد هذا إلى الشرط الثاني في التفسير العلمي للقرآن .....
من يضمن لنا الحقيقة العلمية وهي نسبية عند أهلها بإجماعهم ...
وكيف نجمعها مع الآية القرآنية وهي حقيقة مطلقة لا يأتيها الباطل من أي جهة من الجهات عند المسلمين بإجماعهم-إلا من لا يعتد به-
ونرجو ممن يسير في نهج التفسير العلمي أن يدخل في متاهة العلم الغربي ويدرك نظريات أصحابها وتقييمهم ويطلع على مذاهبهم الابستملوجية ..... لعل التفكر يقوم مقام الانبهار ...... ولعلهم يقدرون القرآن كما ينبغي: صدق محض لا اختلاف فيه وكلام غيره فيه اختلاف وفيه باطل -ولو سمي علما –واعتبروا ببعض المفسرين الذين سبقوكم عندما انبهروا بأرسطو وفلك بطليموس ..... فتحدثوا في تفاسيرهم عن الفلك أطلس وعن الفلكات العشر وعن عالم الكون والفساد .... وظنوا انهم ينصرون القرآن ....
فهل تدرون ما موقف العلماء المعاصرين من الفلك أطلس؟
وما يدريكم أن نظرية الانفجار العظيم التي فسرتم بها آية الفتق والرتق ...... قد يضحك منها أحفاد الأحفاد ... ؟
ـ[عطية زاهدة]ــــــــ[01 May 2006, 09:51 م]ـ
لماذا يا أبا عبد المعزِّ ننتظر الأجيالَ حتّى تضحكَ على الربط بين نظرية الانفجار العظيم والقرآنِ الكريمِ؟ .. أما قرأتَ كتابي "الفرجار في نقد الشيخ زغلول النجار"؟ .. لقد فكَّ هذا الربطَ َ. وأعدُك بمقالٍ فيه الضربة القاضيةُ - وإنَّهُ إن شاءَ اللهُ لقريبٌ جدّاً.
ـ[عادل الكلباني]ــــــــ[02 May 2006, 06:39 ص]ـ
الحمد لله وبعد،،،
فقد جمعتني مناسبة مع أحد المهتمين بل والمشتغلين بالإعجاز العلمي،،، وذهلت لما سمعت، فقد ذكر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن هذا الحديث يظهر فيه الوضع، فليس هو من مشكاة النبوة، فهل خرجته؟ وكان الجواب هو الصاعقة، إذ قال بالحرف: أنا علي استخراج الإعجاز فيما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وليس علي تخريج الأحاديث!!!!
وسؤال لا زال يحيرني: لم لا نستبق ما يسمى بالاكتشاف، إن كنا نزعم أن ذلك مذكور في القرآن قبل كذا قرن؟ كيف لم نعلم بهذا الإعجاز العلمي حتى كشفه لنا الغربيون فانتبهنا إلى أنه مذكور عندنا في الذكر، ولكنا كنا عنه غافلين حتى دلنا عليه الكافرون!
ولست أنكر إعجاز القرآن العلمي، فالقرآن معجز في كل شيء، ولكن المصيبة في الإيغال في ذلك حتى لو قيل لنا إن الشمس تطلع من المشرق لقلنا: قد سبق القرآن إلى هذا!!!
¥