تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولهذا لابد من معرفة ما هي هذه القراءات الجديدة للقرآن؟ هل هي القراءات الحداثية المعروفة بأيديولوجياتها وخلفياتها في تناول كل ماهو ديني بالدراسة والبحث؟ أم هي القراءات التي تستمد مرجعيتها من التفاسير ومن المصادر العلمية التي تحاول أن تنزل القرآن بآياته في واقع الناس حتى يستفيدوا منه فهما وحفظا وتطبيقا، فيعملوا بمقتضاه، اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الذين كانوا قرآنا يمشي على الأرض سلوكا وعملا؟

من هنا يحق لنا أن نسائل هذه القراءات الجديدة في مضامينها ومناهجها، هل هي بالفعل تتميز بالجدة والتنوع المعرفي، أم إنها أبعد ما يكون عن الجدة والحداثة؟ أم إنها مجرد صياغات جديدة وإعادة لما قاله الأولون بأسلوب حديث ومغاير؟؟

إذن، ما هي أغراض هذه "القراءات الجديدة للقرآن الكريم" التي تتسلح بمناهج لسانية، وسوسيولوجية، وتاريخية، وأنتروبولوجية، وغيرها؟ ما هي أهدافها وماذا تريد؟ هل تريد أن تخدم القرآن الكريم، وتقرب معانيه للناس؟ هل تريد أن تفهم نصوص الآي القرآني؟ هل تهدف هذه القراءات إلى الاستفادة من تعاملها مع المعاني القرآنية الربانية؟ هل تريد أن تهتدي بهدي القرآن؟ هل تريد أن تقنع ذواتها وأصحابها بحجج القرآن؟ أم إنها تريد أن تعامل النص القرآني بما تعامل به سائر النصوص البشرية؟ هل تهدف إلى مناقضة الحقائق الشرعية ومعارضة المقاصد التي جاءت بها الشريعة الإسلامية؟ هل تعترف بخصوصيات القرآن الكريم، ومن ثم هل تحترم ربانية الخطاب القرآني، وهل تقر بذلك وتعترف به؟ ...

ولسنا نريد من هذه الندوة العلمية أن تجيب عن هذه الأسئلة وغيرها بقدر ما نريد تنوير العقول والأفهام بحقائق القرآن الخالدة وتبصيرها بأسراره المعجزة. ونريد كذلك أن تتفضل هذه المناهج وتبادر إلى دراسة الخطاب القرآني، لبيان حقيقة أساسية تتعلق بالقراءة الإيجابية للقرآن الكريم، وهي القراءة المقاصدية، التي تحفظ للقرآن الكريم خصوصياته، وتحقق مقاصده، ككتاب هداية، يبين للناس ما يحقق صلاحهم في الحال والفلاح في المآل.

ومن هنا نجد أنفسنا أمام موقفين من التعامل مع كتاب الله: موقف يؤمن بأن القرآن كلام الله، المقدس والمعجز، والمتضمن للحق والحقيقة، ومن ثم يتخذه مرجعية له في الحياة. وبين موقف آخر ينظر إلى القرآن كنص بشري ليست له أية خصوصية، وأن هالة القداسة مصطنعة، ومن ثم دعت إلى القطيعة المعرفية مع القراءات الإسلامية التراثية، وحذفت عبارات التعظيم، واستعملت مصطلحات غير المصطلحات الشرعية. فبدل نزول القرآن استعملت الواقعة القرآنية، وبدلت لفظ القرآن بالمدونة الكبرى، و الآية بالعبارة. وتعمدت الاستشهاد بالقرآن والنص البشري بدون أدنى تمييز بينهما، مع الدعوة إلى عقلنة النص القرآني، ورفع عائق الغيبية. واعتبار كل ما يعارض العقل شواهد تاريخية، وربط الآيات القرآنية بالظروف والسياقات الزمنية، مما يعني أن القرآن الكريم ليس إلا نصا تاريخيا. وأكثرت مثل هذه القراءات الجديدة من التذرع بالمناهج الحديثة بدعوى أنسنة القرآن الكريم، لنزع القداسة عنه، والتشكيك في تواتره، مما يخفي وراءه مواقف استعمارية من جهة، وأيديولوجية من جهة أخرى.

والواقع أن الدراسات الجديدة للقرآن الكريم ما هي إلا امتداد للدراسات الاستشراقية التي يمثلها نولدكه في دراسته عن تاريخ القرآن الكريم، حيث انتهى إلى أن نبوة محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ ما هي إلا امتداد لنبوات العهد القديم، وأن القرآن الكريم مأخوذ عن المأثورات اليهودية والمسيحية

وقد تطورت هذه الدراسات حول القرآن الكريم في الستينات من القرن الماضي، على أيدي التفكيكيين كجون واسنبرو، وكوك، ولينغ ولوكسنبورج وغيرهم. وعن هؤلاء أخذ أصحاب القراءات الحديثة للقرآن الكريم، من العرب والمسلمين، كمحمد أركون، ونصر حامد أبو زيد، وطيب تيزيني، وغيرهم كثير.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير