تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن القدوة المتمثلة في شخص رسول الله ? والعهد النبوي والراشدي والتابعي تشكل للأمة الإسلامية معيناً لا ينضب من العطاء والغذاء والدواء والنشاط، فهو المجد المشرق الذي نلوذ به أثناء لحظات الذل والهوان، وهو العدل النادر والمساواة الحقة التي نفخر بها أثناء لحظات الظلم والجور والاستبداد والقهر، وهو النصر المؤزر، والفتح المبين الذي نستعيد من خلاله آمالنا، ونشحذ به طاقاتنا أثناء لحظات الهزيمة والانكسار، وهو الحصن الحصين الذي نأوي إليه من كل عاديات الزمان، ومن أجل ذلك يحاول الأعداء هدم هذا الحصن، وكسر هذا الحاجز المتين لنصبح في العراء في مرمى ضرباتهم، وموقع رمياتهم.

المطلب الثالث

صناعة النماذج

لقد أدرك الغرب عبر جهود علمائه النفسيين والتربويين والاجتماعيين ما للقدوة من أثر في تكوين سلوكات المجتمع، وتشكيل طموحاته وغاياته فتحدث غوستاف لوبون في كتابه الآراء والمعتقدات عن النفوذ العظيم الذي يمارسه النجوم في المجتمع عن طريق إشاعة ما يسمى " العدوى النفسية " ()، وأكد على ضرورة أن يعتني المجتمع باختيار نجومه في العلم والأخلاق والتربية وأن يحسن " التنجيم " أي إصعاد النافعين المصلحين، وإجهاض الهابطين المفسدين، بعكس ما يحصل اليوم عموماً في بلادنا الإسلامية.

إن الجمهور في الغالب يتأثر بالنجم المتألق الذي يحظى بالشهرة والمديح والإطراء في المنابر الإعلامية المختلفة فيسعى جاهداً لتقليده ومحاكاته بأشكال مختلفة حتى في شكلياته وكلماته وحركاته , وقد أدرك ذلك أرباب المال، وأصحاب الشركات والبضائع والسلع المختلفة، فتجدهم اليوم يتنافسون على اصطياد النجوم وربط منتجاتهم وسلعهم بهم، ويدفعون لذلك مبالغ خيالية فيُدفع للمثل عادل إمام مليون جنيه ليظهر في إعلان مدته دقيقة فيرفض، وتظهر " يسرا " في إعلان لعلبة سمنة تقول: " الطبيعي يكسب " وأبو عنتر في " صابون الأهلية " وفي مباريات كأس العالم سنة 2002 م كنت أسمع في الأخبار كيف يدفع لأحد اللاعبين 8 مليون جنيه استرليني من أجل مباراة يلعبها من أحد الفرق الرياضية، ولاعب آخر مرتبه الشهري 200 ألف دولار أي ما يعادل مرتب موظفي دولة بأكملها من دولنا الفقيرة، وكلنا يعلم كم اكتسح اللاعب ماردونا عقول الجماهير وأصبح اسمه يُرسم على كل أنواع الألبسة من أجل هدف أدخله في المرمى.

إن النجومية أو النخبوية يبرزها اليوم الإعلام بحق وبغير حق ودون معايير إنسانية أو أخلاقية، إنما هي أخلاق السوق والمصلحة والمنفعة الدنيوية. وإذا تأملنا قليلاً في الحضارة الغربية نجد أنه من المتفق عليه بين المراقبين أنها حضارة الإفلاس الأخلاقي بكل المقاييس، والمنبهرين بمنجزاتها التكنولوجية والصناعية أصبحوا مرغمين اليوم على مراجعة حساباتهم، إن المدفع من الأفضل عدمه إذا كانت اليد التي تمسكه يد آثمة لا تتورع عن ارتكاب الجريمة، وإن اليد التي تمسك بزمام الحضارة المادية اليوم يد ملوثة بدماء الشعوب، لقد أبادت شعوباً ومدناً بأكملها وامتصت خيرات أمم وتركتها فريسة للجوع والمرض، إنها تُوجه قنابلها الذكية وأقمارها الصناعية من أجل فساد الكون، والعبث بالحياة، فلم تعد للمنجزات المادية تلك القيمة إذ ما نُظر إلى نتائجها المفجعة، لقد أصبح الكثيرون يحنون إلى حياة " الهمجي النبيل " الذي تحدث عنه دنيس ديدرو 1713 – 1784 م وجان جاك روسو 1712 – 1778 م حيث السعادة القائمة على السذاجة (). إن السؤال الذي يبرز هنا: أليس هناك صلة بين القدوة في الغرب والقاعدة الشعبية العريضة المتردية اليوم؟

المطلب الرابع

ارتكاس القدوة

إذا كان النجوم في الغرب والعباقرة الذين تُشاد لهم النصب التذكارية هم الذين يُمجدون الفساد والدعارة والانحراف أفلا يُنتج ذلك حضارة داعرة؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير