تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذه هي صورة القدوة في الغرب ولا يمكن مقارنة ذلك مع النماذج المشرفة في حضارتنا وتراثنا، أين هي من سيرة الحسن البصري وابن المسيِّب ومالك والشافعي وابن حنبل وصلاح الدين، ونور الدين، والغزالي والنورسي وغيرهم من النماذج المشرقة التي ترفع الرأس وتنير الجبين. إن القدوة تنعكس على واقع الأمة صلاحاً وإعماراً وحضارة أو فساداً وانحرافاً ودماراً.

المطلب الخامس

القدوة الإسلامية في لحظتنا الراهنة

والآن حان الوقت لنسأل السؤال التالي: ما هو دور القدوة اليوم في مجتمعنا الإسلامي المعاصر هل كانت نموذجاً دافعاً إلى الخير أم أنها تدفع إلى العكس؟

مما لاشك فيه أن ديننا أعطى لأهل العلم مكانة باسقة وبوأهم مركز الصدارة في المجتمع فهم بعبارة مختصرة جداً " ورثة الأنبياء، أي أنهم الذين يحملون لواء الهداية للناس بعد الأنبياء، والذي يحمل اللواء في المعركة يكون عرضة للمخاطر والسهام لأنه يشكل مركزاً يلتف حوله الجنود. فهل العلماء اليوم يحملون هذا اللواء بشجاعة ويقومون بواجبهم الدعوي كما أراد لهم الإسلام وبنفس القدر الموازي للمركزية والصدارة التي منحهم إياها.

الإجابة على هذا السؤال فيها قدر كبير من المشقة والخطورة، ولكني استخرت الله عز وجل، وقصدت بذلك وجهه جل شأنه، ووضعت نصب عيني حديثيين شريفين:

الأول: قوله ?"" الدين النصيحة. قلنا لمن يارسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله وأئمة المسلمين وعامتهم "" ().

الثاني: حديث حذيفة بن اليمان: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي ... "" ().

لا بد من القول أولاً بأنه يوجد في حلب عموماً – بحمد الله عز وجل - عدد كبير من العلماء العاملين والمخلصين المشتغلين بالعلم والدعوة، والذين تنير جهودهم الطريق وتبعث الأمل، منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا، ومنهم من ترك مؤلفات ومصنفات شاهدة لعلمه وفضله، ومنهم شغلته صناعة الأجيال عن صناعة الكتب، ولكلا الفريقين نرجو من الله عز وجل أن يتقبلهم بقبول حسن، وأن يتغمدهم بواسع رحمته وفضله، ومن هؤلاء الذين قضوا الشيخ عبد الله سراج الدين، والشيخ جمعة أبو زلام رحمهم الله رحمة واسعة، وأسكنهم فسيح جناته، ولكن هناك نسبة كبيرة من المنتسبين إلى العلم، يتزيون بزي العلماء ويلبسون الجبب والعمائم يُفسدون في الأرض، ويُلحقون أضراراً هائلة بمسيرة الدعوة والإصلاح، ولكثرة هؤلاء المتطفلين على العلم في كل مكان فقد بدأت منذ سنوات تنطبع في أذهان الناس صورة سلبية للمشيخة وأهلها، وبدأت بل كادت تنعدم الثقة بين الجمهور وعلمائه وممثليه والسبب هو في الغالب ملاحظات سلبية جداً تشيع بين العلماء، أو المنتسبين إليهم، وأردت في هذه الورقة أن ألفت النظر إلى بعض هذه الأخطاء لعلنا نبحث عن طريقة لمعالجتها:

أولاً:

منافسة بعض أصحاب العمائم لأهل الدنيا على دنياهم، وتسابقهم على احتواشها واقتنائها دون تورع عن الحرام. وإذا حُدِّثوا عن الورع قالوا: الدنيا بأيدينا وليست في قلوبنا. واتجهوا لبناء القصور والمزارع واحتواش المال بكافة الوسائل، وشراء الذمم والأنصار والمراكز، وكل ذلك يسهل تبريره ببضع كلمات منمقة. وهنا تحضرني حكاية لأحد الصالحين، وكان همه توجيه النصح لعلماء عصره، لأنه يرى أن في صلاحهم صلاح الأمة وفي فسادهم فساد الأمة. لقد ذهب ذات يوم إلى عالم من هذه النماذج التي نتحدث عنها: قصر منيف فيه ما لذ وطاب، وأثاث فاخر ومريدين مخلصين عرف كيف يربيهم لنفسه، دخل الرجل الصالح يطلب العلم فقال للعالم النحرير سيدي أنا أتيت لتعلمني كيف أتوضأ فعلمه، فقال أنا لا أعرف إلا أن تطبق لي ذلك عملياً فأحضر له صشت فاخر، وإبريق فاخر مملوء ماء، فقال له اغسل يديك ثلاث مرات فغسلها أربعاً، تمضمض ثلاث مرات فتمضمض أربعاً، اغسل وجهك ثلاث مرات فغسله أربعاً، فغضب الشيخ وقال له: أنا أقول لك ثلاثاً وأنت تزيد واحدة، لماذا؟ قال له: وهل في ذلك بأس؟ قال: نعم. قال: لمَ؟ قال إسراف حرام. قال الرجل: وهو يقلب بصره في أرجاء القصر أكلُّ ما أنت فيه من بذخ وترف ليس إسرافاً، وحفنة ماء زدتها إسراف؟!! فأدرك الشيخ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير