تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقد صدّعَنا أدهم فى ذلك الكتاب بتأكيده أن القرآن هو وحده المصدر الإسلامى الذى يمكن الاطمئنان له من جهة التاريخ، أما الحديث وأما السيرة فلا يصلحان على الإطلاق لاعتماد المؤرخين والدارسين عليهما. عظيم جدا جدا، فتعال إذن يا سُمْعَة يا أبا السباع وأعطنى أذنك وعقلك: فأنت تقول إن القرآن هو المصدر الوحيد الذى يمكن الاستناد إليه والتصديق بما جاء فيه عن حوادث التاريخ الإسلامى الأول، أليس كذلك؟ فكيف فاتك إذن يا نابغة الدهر الأول والأخير، بل يا نابغة كل الدهور والعصور، أن القرآن الذى لا تطمئن إلا له قد ذكر أن اسمه عليه الصلاة والسلام هو "محمد" لا "قثم" ولا "قثامة"؟ ألم يكن العقل والمنطق وسلامة المنهج تقتضيك أن تصدّق بما أتى فى القرآن وترفض ما عداه من الروايات التى تقول إن اسمه لم يكن "محمدا" بل "قثم" أو "قثامة"؟ أم أنت ممن يحُلِوّنه عاما ويُحَرّمونه عاما على مقتضى نزواتهم وشهواتهم؟ ألا بئس هذا منهجا وتفكيرا! أما إذا كنت قد رجَعْتَ عن رفضك لما عدا القرآن من مصادر التاريخ الإسلامى (وهو ما لا يمكن أن يكون، لأنك قلت ما قلت عن اسم رسول الله عقب إعلانك مباشرة أنك لا تثق بغير القرآن أىّ مقدار من الثقة)، فكيف تترك الاسم الذى تضافرت عليه الروايات ولا يعرف المسلمون سواه؟ وهذا كله لو لم يكن هناك قرآن ينص على أن اسمه هو "محمد". وبطبيعة الحال لا يمكن أن يقال إن القرآن قد لفّقَ له ذلك الاسم، لأنه لو كان هذا صحيحا ما سكت الكفار ولا المنافقون ولا اليهود ولا النصارى ولا حتى الصحابة، ولشنّع الأربعة الأولون على القرآن والرسول، وأبدى الأخيرون دهشتهم واستغرابهم وكان بينهم وبينه سِينٌ وجِيمٌ، ولسَجَّلَتْ ذلك كلَّه الرواياتُ كالعادة. علاوة على أنك قد أعلنت وثوقك بالقرآن، وبالقرآن وحده، وثوقا مطلقا، فلا فكاك لك من أن تسلّم بما قاله فى هذا السبيل! من هنا يتجلى لكل ذى عقل أن صاحبنا لا يحسن التفكير واستنباط النتائج من المقدمات، ولا يستطيع أن يكون متسقًا مع المبدإ الذى وضعه هو بنفسه لنفسه.

وفى مقدمة الطبعة الثانية من كتابه: "حياة محمد" يقول الدكتور محمد حسين هيكل رحمه الله إنه قد وردت إليه ملاحظات من هنا وههنا على ما قاله فى الطبعة الأولى من ذلك الكتاب، ومن بينها رسالة أتته من كاتب مصرى مسلم ذكر أنها ترجمة عربية لمقال بعث به إلى مجلة المستشرقين الألمانية نقدا لكتابه هذا، وخلاصتها أن كتابه عن "حياة محمد" ليس بحثا علميا بالمعنى الحديث لأنه رجع فيه، كما يقول، إلى المصادر العربية وحدها ولم يراجع ما كتبه المستشرقون أو يأخذ بالنتائج التى وصلوا إليها، بل عد القرآن وثيقة تاريخية لا تقبل الريب رغم أنه خضع للتحريف والتبديل بعد وفاة النبى عليه الصلاة والسلام ... إلخ. ومن بين ما قاله صاحب الرسالة الذى لم يذكر الدكتور هيكل اسمه للأسف أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن اسمه فى الاصل "محمدا" بل "قثم" أو "قثامة"، ثم أُبْدِل من بعد ذلك ليتسنى وضع الآية التى تقول: "ومبشرا برسول من بعدى اسمه أحمد" (انظر "حياة محمد" للدكتور هيكل/ مكتبة الأسرة/ 1997م/ 38)، وهو ما يعنى أن القرآن من وضع النبى عليه السلام وأنه صلى الله عليه وسلم كان كذابا، أو فى أحسن الأحوال: واهما مخدوعا فى أمره كله، وهذا كلام خطير. لا أقصد أنه ليس من حق أحد أن يقوله، فكل إنسان حر فيما يقول وفيما يعتقد، والمهم أن يقدم الدليل، أما الهلس والهجس فكل حيوان بشرى يحسنه لا مشقة فى ذلك! بل أقصد أن مثل هذه الطريقة فى الزعم ورمى الكلام على عواهنه تهدد المنهجية العلمية وتطعنها فى الصميم وتملى لكل جهول سخيف العقل والتفكير أن يجرى مع نزواته على راحته ويتقايأ بما فى نفسه المشوهة دون حسيب أو رقيب ودون أن يأخذ فى اعتباره أى مبدإ أو قيمة. وقد ذهب خاطرى فى بداية الأمر إلى أن صاحب الرسالة هو إسماعيل أدهم لولا أن هيكل نص على أنه مصرى، وأدهم كان تركيا، اللهم إلا إذا قصد أنه طلب العلم فى مصر، إذ كان طالبا فى بعض مدارسها فترة من حياته، وعاش فيها زمانا. كما كان متصلا بدوائر الاستشراق ودائم المباهاة بعلاقته بهم وترديد مقولاتهم والكتابة عندهم، فضلا عن أنه كان يعرف الألمانية، ويزعم أن اسم النبى عليه السلام هو "قُثَم" حسبما رأينا. ثم إن صاحب الرسالة، حسبما يقول

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير