أجل إن الحجاب الإسلامي – الإسلامي فقط – ليس مجرد تحد فقط بل هو غزو وبشارة في ذات الوقت، فالمرأة الغربية اليوم تعيش في أحلك أيامها، وأسوأ لحظاتها يقول بيير داكو "" لم يسبق للمرأة أن كانت مسحوقة ومنهارة وخامدة مثلما هي عليه الآن، ويمثل عصرنا أكثر العمليات دناءة في تاريخ المرأة، فالمظاهر خداعة، ذلك أن الفخ مموه على نحو يثير الإعجاب "" () "" إن الفخ قام بعمله على نحو ممتاز ... فالسمكة كانت جائعة، وكان يكفي إلقاء الصنارة في الماء حتى تنخدع بها "" () إن بيير داكو يلخص لنا حالة المرأة في الغرب بعبارة مختصرة، إنها حالة مأساوية مريرة. وقد بدأت المرأة تشعر بذلك، وبدأت تتململ من الضياع والعبثية التي خُدعت بها، ولذا فهي ترى أن صورة المرأة المسلمة المحجبة صورة مثالية تتمنى لو يتاح لها أن تعيشها (). ولكنها ليست مهيأة لذلك فهي مكبلة بقيود ثقيلة، إنه إرث العلمانية المديد: تفكك أسري وضياع اجتماعي وأخلاقي، وعدمية فلسفية، وفردانية موحشة.
ومن هنا فالمرأة المسلمة في الغرب تؤدي بحجابها دور الداعية الصامتة، إنها ترفع شعار "" الكيان المستقل "" وتمثل أمام المرأة الغربية دور "" العالَم المتميز "" فهي كيان مستقل عن عالم الرجال وعالم أنثوي متميز عن عالم الذكورة.
إن المرأة المسلمة بحجابها تحتكر أنوثتها وتمتلكها ولا تبددها في عالم الرجال، إنها تنطوي في داخلها على سرٍ يجب أن يظل مطمحاً لعالم الرجولة تهفو إليه الرجولة فلا تنال منه إلا بقدر ما يتحقق من سعادة وكرامة إنسانية مشتركة.
إن في المرأة جانبان: جانب عملي إنساني مشترك بينها وبين الرجل وهو دورها في الحياة والبناء والإعمار والمشاركة والعمل والعلم والإبداع.
وجانب آخر هو أنثوي غريزي تميزت به المرأة عن الرجل، وزودها الصانع عز وجل بمكونات الأنوثة فهي أم حنون وزوج رؤوم، وأنثى لعوب. والإسلام لا يريد لأيٍ من الجانبين أن يطغى على الآخر، فلا يريد المرأة المترجلة التي تكبت أنوثتها وتتحول إلى كائن قاس عنيف جلف.
ولا يريد المرأة الجاهلة العابثة التي تُحوّل نفسها إلى أداة للمتعة واللذة والإنجاب فقط ().
إن ما يصلح المجتمع هو المرأة التي يتكامل فيها الجانب العملي مع الجانب الأنثوي أو الجانب الوظيفي الحياتي مع الجانب الغريزي. وإن المرأة حين تقف إلى جانب الرجل في المعمل أو المخبر أو الوظيفة فهي تزاحمه بإنسانيتها وكفاءتها وليس بأنوثتها، وأنوثتها تظل ورقة مخفية مدخرة لا تمنحها للرجال إلا في الإطار المشروع، إطار البناء المشترك والمساواة والندية.
بينما المرأة السافرة الفاتنة ترمي بلحمها وشحمها أمام الكلاب الجائعة، والذئاب الغادرة، والثعالب الماكرة، وهي بسفورها ومفاتنها تدفع بكفاءتها وإنسانيتها وفاعليتها إلى الوراء وتدفنها في الأعماق، وذلك لأن صوت الغريزة واللذة أقوى من صوت العقل – غالباً – وأقوى من صوت الحرية والتحضر والضمير والأخلاق، هذه الشعارات الجوفاء التي تنادي بها العلمانية.
والآن بعد فوات الأوان أدركت المرأة الغربية أنها خُدعت في أعظم عملية نصب واحتيال في التاريخ إنها مهزلة "" حرية المرأة "" ولذلك فهي تغبط المرأة المسلمة على حجابها وعفافها وترى أن هذا هو رأس المال الثمين الذي فرطت به حين خدعوها فأوهموها أنه قيود وتخلف، ولكنها حين فعلت ذلك خسرت كل شيء، ولأن المرأة فُطرت على الرحمة والشفقة فإن المرأة الغربية لا تريد لأختها الشرقية أن تنحط في المرتكس نفسه، وتقع في الفخ ذاته ().
إن أهم ما يعنيه الحجاب بالنسبة للمرأة هو إبراز فرديتها الإنسانية، وتكنيز فرديتها الأنثوية لتكون قادرة على مشاركة الرجل في الفعل الحضاري دون أن تخضع لابتزازه أو انتهازيته، ذلك لأن الجانب العملي والعقلي والإنساني والحياتي في كلا الطرفين متساوٍ ويبقى الرجل متفوقاً برجولته الظاهرة البارزة، لأن الرجولة يناسبها الظهور والبروز فكيف تقابل المرأة الرجولة لتكون نداً للرجل؟ ظنت المرأة أو قيل لها إن عليها أن تقابل رجولته البارزة بأنوثتها المكشوفة ومفاتنها المعروضة فصدقت ذلك، وأخطأت لأن الأنوثة سلاح لا يناسبه الظهور والانكشاف بل ذلك يثلمه ويفقده قوته وأهميته، وكان من الواجب مواجهة الرجولة المكشوفة بالأنثوية المخفية والمفاتن
¥