إزاء هذه الحقيقة نقول: من الذي ينظر إلى المرأة على أنها جسد؟ ومن الذي يقصر فكره ونشاطه على ما يجب كشفه أو ستره من جسدها؟ .. أتراه ذاك الذي يعترف بحقيقة غريزته ويبني عليها حكما يلزم به نفسه ليحترم إنسانية المرأة، وينصرف من خلاله عن التدني إلى مستوى التطلع إلى غاية شهوانية، أم هو ذاك الذي يصر على نفي وجود تلك الغريزة وهو يعلم مكانها في نفسه، ثم يحكم على الرجال بضرورة التنزه عنها، مصرا على إخراج النساء اللاتي بقين مئات السنين في خدورهن، وطرح غطائهن الذي لم يُثِر أي مشكلة طوال تلك القرون، فيأمر الرجال بالنظر دون شهوة، والنساء بالاختلاط دون اعتراف بوجود أي نزوة؟
لقد رافقت الحشمة صورة المرأة منذ خُلقت وعاء للجمال والفتنة، فإذا كان هذا الغطاء الذي لا يمنع المرأة عن مزاولة أعمالها والتمتع بحقوقها قد وقف حائلاً في وجه بعض من الرجال عن التمتع بزينتها، فلنبدأ إذن بإعادة صياغة أسئلتنا من جديد، ولنتحلّ بالجرأة في تحديد ذاك الذي لا يرى من المرأة إلا جسدها، قبل أن يتحول مبدأ: "رمتني بدائها وانسلت" من مجرد مشاغبة جدلية إلى حالة نفسية تطبع تياراً فكرياً عارماً بطابعها المثير للشفقة. ()
إن الموقف الغربي من الحجاب لا يمكن تفسيره إلا كلون من الحسد الحضاري، فلماذا المرأة المسلمة لا تزال تحتفظ بعفتها وإنسانيتها؟! لماذا لا تنخرط فيما انخرطت فيه المرأة الغربية من إباحية ومجون؟ أليس الغرب اليوم هو الذي يقود زمام الحضارة؟ ألا ترى المرأة المسلمة كم تقدم الغرب وتفوق؟ لماذا تصر على التحدي والمقاومة؟ لماذا لا تقبل الانصهار في الأنماط الغربية للممارسة الوجودية؟ لماذا تصر على الاستقلال في وجودها وكيانها ورؤيتها وتفكيرها؟ لمَ كل هذا الإصرار على الهوية في عصر العولمة أو قل الأَوْربة أو الأَمْركة؟ لمَ كل هذا التزمت والتعصب؟!!
فلتخرج إذن من بلادنا أو لتلبس لباسنا ولتتحلل كما تحللنا ? وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ? [سورة الأعراف آية: 82].
أجل إن التطهر قوة، والعفة قوة، والمنحرف يتمنى أن لو كان الناس جميعاً مثله حتى يتخلص من عقدة النقص والشعور بالغربة، فهولا يحب أن يرى أناساً يتمتعون بقوة الإرادة وهو ضعيف، ولا أناساً سعداء وهو شقي، ولا يريد أن يرى أناساً يقاومون تيار الانحراف في الوقت الذي انخرط هو فيه، يريد أن ينجرف الجميع.
إن فرنسا تعج بمشكلات كثيرة من أبرزها: الإدمان، والشواذ، والبطالة، والجريمة، ولم يلفت نظرها من كل هذه المخاطر شيء، فقط شعرت بالخطر من حجاب المرأة المسلمة، وأصدرت قراراً بمنعه!! وقرار المنع هذا سيزيد من المحجبات، وحتى اللواتي لم تكن القضية ذات أهمية بالنسبة لهن سينتبهن لذلك، ويفكرن في أمر الحجاب، وسر الحرب ضد الحجاب، ولعل كثيراً من الغشاوات التي أثيرت حوله تزول مع البحث والسؤال، وإذ بالحرب على الحجاب تعود لصالح الحجاب. والله أعلم بالصواب،وإليه المرجع والمآب.
? يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفسٌ ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون، ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون، لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ? [سورة الحشر الآيات: 18 - 20].
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.
ـ[يسري خضر]ــــــــ[03 Jun 2007, 02:29 م]ـ
مقال رائع وخطاب شرعي و عقلي مستنير اسال الله ان ينفع به وان يكتب له القبول والذيوع وكم اتمني لو ترجمه الدكتور المفضال احمد ادريس الطعان الي لغات اخري ففي ذلك خير ان شاء الله
ونحن في انتظار الفرائد والفوائد يا شيخنا الكريم بارك الله فيك
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[03 Jun 2007, 08:50 م]ـ
جزاك الله خيرًا يا فضيلة الدكتور على هذا الخطاب البديع، وليته يترجم للغات أخرى، ويمكن الاستعانة في هذا المجال بالأساتذة المتخصصين في الترجمة الدينية مثل هؤلاء الموجودين في جمعية المترجمين واللغويين العرب:
http://arabswata.org/forums/forumdisplay.php?f=37
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[03 Jun 2007, 10:57 م]ـ
شكراً لكم إخوتي ... جعلني الله عند حسن ظنكم، وغفر لي ما ستره عنكم ...
إن كان في المقال خيرٌ فالفضل لله عز وجل أولاً وآخراً، وإن كان غير ذلك فمن تقصيري وضعفي ...
جزاكم الله خيراً ...
أخي د. هشام كيفية الاستعانة بهم هل يستجيبون لذلك بدون أن يكون هناك تعارف معهم؟
ـ[تاج الروح]ــــــــ[04 Jun 2007, 12:17 ص]ـ
جزاك الله خيراً .. ونفع بك ..
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[05 Jun 2007, 06:21 ص]ـ
السلام عليكم، لم يسبق لي التعامل معهم يا دكتور أحمد وأظن أن طبيعة المنتديات تسمح بالتعاون دون تعارف مسبق .. والله أعلم.
¥