تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

القرينة الأولى:

ما كان لعبد الله بن المبارك رحمه الله أن يحتقر عبادة شيخه الفضيل بن عياض ويقول له:

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا

لعلمت أنك في العبادة تلعب

وقد ذكر الإمام المزي في "تهذيب الكمال" (15 - 105 - 5349) أن عبد الصمد بن يزيد الصائغ قال: قال لي عبد الله بن المبارك: "إن الفضيل بن عياض صدق الله فأجرى الحكمة على لسانه فالفضيل ممَّن نفعه علمه". اه.

قلت: هذا قول ابن المبارك في بيان صدق الفضيل بن عياض.

1 - والذي يتفق مع قول إبراهيم بن شماس:

"رأيت أفقه الناس، وأورع الناس، وأحفظ الناس: فأما أحفظ الناس فابن المبارك، وأما أورع الناس فالفضيل بن عياض، وأما أفقه الناس فوكيع بن الجراح". اه. كذا في "تهذيب الكمال" (15 - 109).

2 - ويتفق مع قول هارون الرشيد:

"ما رأيت في العلماء أهيب من مالك بن أنس ولا أورع من الفضيل بن عياض".

3 - ويتفق مع قول إسماعيل بن يزيد عن إبراهيم بن الأشعث:

"ما رأيت أحدًا كان الله في صدره أعظم من الفضيل بن عياض، كان إذا ذُكر الله أو ذكر عنده أو سمع القرآن ظهر به الخوف والحزن وفاضت عيناه، وبكى حتى يرحمه من بحضرته، وكان دائم الحزن، شديد الفكرة، ما رأيت رجلاً يريد الله بعلمه وعمله وأخذه وعطائه ومنعه وبذله وبغضه وحبه وخصاله كلها غيره". اه.

قلت: ولذلك جمع فيه الحافظ ابن حجر القول في "التقريب" (2 - 113) فقال: الفضيل بن عياض بن مسعود التيمي أبو علي، الزاهد المشهور أصله من خراسان وسكن مكة، ثقة عابد إمام من الثامنة، مات سنة سبع وثمانين ومائة.

قلت: من هذه القرينة يتبين للقارئ الكريم حقيقة عبادة الإمام الفضيل بن عياض، والذي ترجم له الإمام المزي قائلاً: "أبو علي الزاهد أحد صلحاء الدنيا وعبادها"، ولقد تبين من قول ابن المبارك الذي أوردناه آنفًا: "أنه صدق الله" مما يدل على أن هذه القصة الواهية قصة مكذوبة على ابن المبارك الذي يعرف قدر شيخه الفضيل بن عياض، كما بينا آنفًا، فما كان له أن يصفه بالعبث واللعب في العبادة.

"حج الخليفة"

القرينة الثانية

الذي يتأمل في القصة والأبيات التي كتبها ابن المبارك بطرسوس وأرسلها مع ابن أبي سكينة البهراني إلى الفضيل بن عياض وودعه بالخروج للحج سنة تسع وسبعين ومائة، يدل على أن الأمة في هذا الوقت كانت في حرب، وأن ابن المبارك كان في معركة والفضيل يلعب في العبادة بمكة.

قلت: بالبحث في كتاب "البداية والنهاية" (10 - 533) للإمام ابن كثير لسنة تسع وسبعين ومائة نجد أن موسم الحج كان موسم أمن وأمان، ولا توجد فيه حرب، ولذلك خرج الخليفة هارون الرشيد في هذه السنة للحج، حيث قال الإمام ابن كثير:

"وفيها خرج الرشيد معتمرًا من بغداد شكرًا لله عز وجل، فلما قضى عمرته أقام بالمدينة حتى حج بالناس في هذه السنة، فمشى من مكة إلى منى ثم إلى عرفات وشهد المشاهد والمشاعر كلها ماشيًا، ثم انصرف إلى بغداد على طريق البصرة". اه.

قلت: ولقد ذكرنا هاتين القرينتين للاستئناس على نكارة القصة ومن تحقيق القصة الذي أوردناه آنفًا يتبين أن القصة واهية من غير هذه القرائن، وأن ابن المبارك رحمه الله بريء من احتقاره لعبادة الفضيل رحمه الله، بل هو الذي شهد للفضيل بأنه صدق الله فأجرى الحكمة على لسانه: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا {البقرة: 269}.

وإن تعجب فعجب كيف ينسب لابن المبارك احتقاره لعبادة الفضيل وجعلها لعبًا وعبثًا وقد ترجم الإمام المزي للفضيل أنه: "الزاهد أحد صلحاء الدنيا وعبادها" كما بيّنا آنفًا، ولا يخفى على ابن المبارك مكانة الصالحين في النصر.

1 - فلقد بوّب الإمام البخاري في "صحيحه" كتاب الجهاد بابًا بعنوان: "من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب" باب (76).

قلت: ثم أخرج الإمام البخاري تحت هذه الترجمة: (ح2896) قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا محمد بن طلحة عن طلحة عن مصعب بن سعد قال: رأى سعدٌ رضي الله عنه أن له فضلاً على من دونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل تنصرون إلا بضعفائكم".

2 - قلت: ولقد بوب الإمام النسائي في السنن الكبرى والصغرى في كتاب "الجهاد" بابًا بعنوان: "الاستنصار بالضعيف".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير