وقال الشافعي أيضاً: «إنَّما يغلط الرجل بخلاف من هو أحفظ منه، أو يأتي بشيء في الحديث يشركه فيه من لم يحفظ منه ما حفظ، وهم عدد وهو منفرد» (2).
وقال ابن حجر معقباً على كلامه: «فأشار إلى أن الزِّيادة متى تضمَّنت مخالفةَ الأحفظ أو الأكثر عدداً أنها تكون مردودة» (3).
وحيث إنَّ هذه المسألة من أهم مسائل علم العلل، فإنَّ نقل كلام علماء الحديث وعلله مما يزيد الأمر وضوحاً، فمن المفيد جداً ذكر شيءٍ من ذلك نظرياً وعملياً.
أما النَّظري فمن ذلك:
ما قاله أبو زرعة الرَّازي: «إذا زاد حافظ على حافظ قُبِلَ» (4).
وقال أيضاً: «حديث أبي إسحاق عن جرير مرفوع أصح من موقوف، ولأن زيد بن أبي أنيسة أحفظ من مغيرة بن مسلم» (5).
وقال مسلم: «والحديث للزائد الحافظ» (6). وقال أيضاً: «والزِّيادة في الأخبار لا تلزم إلا عن الحفَّاظ الذين لم يكثر عليهم الوهم في حفظهم» (7).
وقال التِّرمذي: «وربَّ حديث إنَّما يستغرب لزيادة تكون في الحديث، وإنَّما يصح إذا كانت ممن يعتمد على حفظه ... » (1).
وقال أبو زرعة: «زيادة الحافظ على الحافظ تقبل» (2).
وقال البزَّار: «زيادة الحافظ مقبولة إذا زادها على حافظ، فإنَّما زادها بفضل حفظه» (3).
وقال ابن طاهر: «إن الزِّيادة إنَّما تقبل من الثِّقة المجمع عليه» (4).
وقال ابن خزيمة: «لسنا ندفع أن تكون الزِّيادة في الأخبار مقبولة من الحفَّاظ، ولكنَّا إنَّما نقول إذا تكافأت الرُّواة في الحفظ والإتقان والمعرفة بالأخبار فزاد حافظ متقن عالم بالأخبار كلمة قُبِلَت زيادته، لا أنَّ الأخبار إذا تواترت بنقل أهل العدالة والحفظ والإتقان بخبر، فزاد راوٍ ليس مثلهم في الحفظ والإتقان زيادة أنَّ تلك الزِّيادة تكون مقبولة» (5).
وقال ابن المنذر: «والحافظ إذا زاد في الحديث شيئاً فزيادته مقبولة» (6).
وقال ابن عبد البر في كلام له: « ... ليست حجَّة، لأنَّ الذي لم يذكره أحفظ، وإنَّما تقبل الزِّيادة من الحافظ المتقن» (7).
وقال أيضاً: «إنَّما تقبل الزِّيادة من الحافظ إذا ثبتت عنه، وكان أحفظ وأتقن ممن قصر أو مثله» (8).
وقال ابن عبد الهادي بعد سياق الاختلاف: «والصَّحيح التَّفصيل، وهو أنها تقبل في موضع دون موضع، فتقبل إذا كان الرَّاوي الذي رواها ثقة حافظاً متقناً، والذي لم يذكرها مثله أو دونه في الثِّقَة ... » (9).
وخالف في تقريراتهم كثير من مقلِّدة الفقهاء ومتكلِّمة الأصوليين فقالوا: «تقبل زيادة الثِّقة مطلقاً، مالم تخالف (1) رواية من هو أولى».
ولا يعني هذا أنه لم يقع - تنظيراً - بعضُ كبار المحدِّثين فيما وقع فيه المتكلِّمون والأصوليون، من نقل أقوالهم على أنَّها مذاهب معتمدة وهي لا تعرف إلا عنهم. فإنَّ علم الكلام قد أثَّر على كثير من متأخري علماء هذه الأمة.
قال ابن رجب في تقرير ذلك: «وكلام أحمد وغيره من الحفَّاظ يدور على اعتبار قول الأوثق في ذلك والأحفظ أيضاً»، قال: «وقد صنَّف في ذلك الحافظ أبو بكر الخطيب مصنفاً حسناً سمَّاه: "تمييز المزِيد في متصل الأسانيد"، وقسمه قسمين:
أحدهما:- ما حكم فيه بصحة ذكر الزِّيادة في الإسناد، وتركها.
والثاني:- ما حكم فيه بردِّ الزِّيادة وعدم قبولها.
ثم إنَّ الخطيب تناقض، فذكر في كتاب "الكفاية" للنَّاس مذاهب في اختلاف الرُّواة في إرسال الحديث ووصله، كلها لا تعرف عن أحدٍ من متقدمي الحفَّاظ، وإنَّما مأخوذة من كتب المتكلِّمين. ثم إنه اختار أن الزِّيادة من الثِّقة مقبولة مطلقاً كما نصره المتكلِّمون وكثير من الفقهاء، وهذا يخالف تصرُّفه في كتاب "تمييز المزِيد". وعاب تصرُّفَهُ في كتاب "تمييز المزِيد" بعضُ محدثي الفقهاء، وطمع فيه لموافقته لهم في كتاب "الكفاية"»، ثم قال: « ... ومن تأمَّل كتاب البخاريِّ تبيَّن له - قطعاً - أنَّه لم يكن يرى زيادة كل ثقة في الإسناد مقبولة، وهكذا الدَّارقطني. فدلَّ على أنَّ مرادهم زيادة الثِّقَة في مثل تلك المواضع الخاصَّة، وهي إذا كان الثِّقة مبرزاً في الحفظ» (2).
¥