يا عائشة، ذريني أتعبدُ الليلةَ لربي ...
ـ[الحارث بن علي]ــــــــ[27 - 04 - 10, 03:15 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
حديث: يا عائشة، ذريني أتعبدُ الليلةَ لربي ...
رواه عمران بن موسى بن مجاشع حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن زكريا عن إبراهيم بن سويد النخعي حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فقالت لعبيد بن عمير: قد آن لك أن تزور، فقال: أقول يا أمَّهْ، كما قال الأول: ُزرْ غباً تزددْ حباً.
قال: فقالت: دعونا من بطالتكم هذه.
قال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيتِه من رسولِ الله (قال: فسكتتْ.
ثم قالت: لما كان ليلة من الليالي. قال: يا عائشة، ذريني أتعبدُ الليلةَ لربي، فقلت: والله إني لأحبُّ قربَكَ وأحب ما يسرُّك.
قالت: فقام فتطهرَ، ثم قام يصلي قالت: فلم يزل يبكي، حتى بلَّ حِجْرَهُ.
قالت: وكان جالساً فلم يزل يبكي، حتى بلَّ لحيتَه قالت: ثم بكى حتى بلَّ الأرض فجاء بلالٌ يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسولَ الله تبكي، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبِك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً؟ لقد أنزِلَتْ عليَّ الليلةَ آيةٌ (آيات) ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها ... الآية كلها. صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان (620)
قلت: لم يروه عن عبد الملك بن أبي سليمان غير إبراهيم بن سويد النخعي تفرد به يحيى بن زكريا عن إبراهيم بن سويد النخعي عنه.
وهذه غرابة ظاهرة، ويحيى بن زكريا، وإن كان حسن الحديث. فطبقة لا يحتمل فيها التفرد.
فأين كبار أصحاب عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي عن هذا الحديث: كشعبة والثوري وابن المبارك والقطان وعبد الله بن إدريس وزهير بن معاوية وزائدة وحفص بن غياث وعلي بن مسهر وعيسى بن يونس وأبو عوانة وهشيم ويحيى بن أبي زائدة ويزيد بن هارون وعبد الرزاق.
لم يروه واحد منهم، ومنهم المصنفون، ويتفرد به إبراهيم بن سويد النخعي.
وإبراهيم وإن كان ثقة فليس بالمشهور في عبد الملك بين أبي سليمان.
وقال الدارقطني: هو قليل الحديث ليس في حديثه شيء منكر.
والحديث إن سلم من تفرد ابراهيم بن سويد، فلا يسلم من تفرد يحيى بن زكريا، ويحيى بن زكريا، وإن كان حسن الحديث فليس هو الآخر بالمشهور في ابراهيم بن سويد.
ومثله لا يحتمل التفرد في طبقته.
وهذه المسألة، أعني تفرد الرواة، لا يعتني المتأخرون بها، وقد كنت كتبت في شرحي على البيقونية، المباحث التي يدور عليها الافتراق بين منهجين المتقدمين والمتأخرين وذكرت أنها تسعة مباحث:
المبحث الثالث منها: عدم اعتبار التفرد علة.
فالمتأخرون لا يراعون الرواة الثقات المكثرون، فيمن تفرد عنهم، بل ولا يحسنون ادراك هذه المسألة.
وإنما يستنكر بداهة أن يروي ثقة ليس من أصحاب الراوي المعروفين بالكثرة والتثبت فيه، فينفرد عن الجميع بشيء يرويه عنه.
قال أبو داود: ولا يحتج بحديث غريب، ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد والثقات من آهل العلم.
وقال الذهبي: فهؤلاء الحُفَّاظُ الثقات، إذا انفرد الرجلُ منهم من التابعين، فحديثهُ صحيح. وإن كان من الأتباعِ قيل: صحيح غريب. وإن كان من أصحاب الأتباع قيل: غريبُ فَرْد. ويَنْدُرُ تفرُّدهم، فتجدُ الإمامَ منهم عندهَ مِئتا ألف حديث، لا يكادُ ينفرد بحديثينِ ثلاثة. ومن كان بعدَهم فأين ما يَنفرِدُ به، ما علمتهُ، وقد يوُجَد .... إلى أن قال: فإن كان المنفرد من طبقة مشيخة الأئمة، أطلقوا النكارةَ على ما انفرد مثلُ عثمان بن أبي شيبة، وأبي سَلَمة التَّبُوْذَكِي، وقالوا: هذا منكر. الموقظة (ص 77)
وقال ابن رجب: أكثر الحفاظ المتقدمين يقولون في الحديث إذا انفرد به واحد وإن لم يرو الثقات خلافه: إنه لا يتابع عليه، ويحعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات به الثقات الكبار أيضا، ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه. شرح علل الترمذي (2/ 582)
وسأل مالك عن حديث سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا: السفر قطعة من العذاب، فسأل عن ذلك فقيل له لم يروه عن سمي أحد غيرك، فقال: لو عرفت ما حدثت به، وكان مالك ربما أرسله لذلك. فتح الباري (4/ 623)
¥