تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قوله: "وإن لم يكن لقيه فأمكن أن يكون مُعَاصِرَه, فهو محل تردد":

وقد تقدم تفصيل هذا بين المذهبين: المذهب المنسوب للبخاري, والمذهب الذي نصره مسلم رحمه الله تعالى في مقدمة صحيحه.

قوله: "وإن لم يمكن فمنقطع":

أي فإن لم يمكن اللُّقي, والمعاصرة, فيسمى هذا الخبر بالمنقطع.

قوله: "كقتادة عن أبي هريرة":

فإن قتادة وُلِدَ سنة ستين, وتوفي أبو هريرة رضي الله عنه سنة تسعٍ وخمسين.

قوله "وحُكْمُ (قال) حُكْمُ (عن). ولهم في ذلك أغراض":

"حُكْمُ (قال) حُكْمُ (عن) ": ومثل ذلك (أنَّ).

"ولهم": أي وللمدلسين في ذلك أغراض.

قوله: "فإن كان لو صرح بمن حدثه عن المسمَّى, لعُرِفَ ضعفه, فهذا غرض مذموم وجناية على السنة, ومن يعاني ذلك جُرِحَ به, فإن الدين النصيحة":

قوله: " فإن كان لو صرح بمن حدثه عن المسمى, لعُرِفَ ضعفه, فهذا غرض مذموم": وهذا يصنعه كثير من الموصوفين بكثرة التدليس. وقد كان الوليد بن مسلم رحمه الله تعالى يدلس عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم, من أهل دمشق, ويقول: قال أبو عمرو, وحدثنا أبو عمرو عن الزهري. يوهم أنه الأوزاعي, وإنما هو ابن تميم. وابن تميم هذا قال عنه ابن حبان رحمه الله بأنه كان ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات, من كثرة الوهم والخطأ.

وقد تقدم أن الوليد يصنع هذا في مرويات الأوزاعي, وهذا غير مؤثر على مروياته الأخرى, وغير مؤثر على مكانته وعلمه وجلالة قدره وعظيم منزلته, فهو رحمه الله تعالى مكثر جداً. وقد تقدم أن الوليد وُصِفَ بتدليس الإسناد, وتدليس الشيوخ, وتدليس التسوية.))

وقال ايضا: ((قوله: "فإن كان مدلساً, فالأظهر أنه لا يُحمَل على السماع":

وهذا فيه نظر, والصواب أن التدليس نوعان, ويُحمَل كلام المؤلف على المكثِر الذي غلب عليه التدليس, وأما المقل فتُحمَل عنعنته على الاتصال والسماع. والأئمة رحمهم الله تعالى يقولون: دلَّسه, ولا يقولون: عنعنه, فهم يفرقون بين العنعنة, وبين التدليس, باستثناء ما غلب على اصطلاحات كثير من المتأخرين.

قوله: "ثم إن كان المدلس عن شيخه ذا تدليس - أي صاحب تدليس - عن الثقات فلا بأس":

معنى هذا أن من لا يدلس إلاَّ عن ثقة, يُقبَل حديثه, وتُقبَل عنعنته, كسفيان بن عيينة, وكجماعة من الأكابر. وهذا مبني على قاعدة أن المدلس إذا عنعن لا يُقبَل حديثه, والصواب التفصيل.

قوله: "وإن كان ذا تدليس عن الضعفاء فمردود":

يقال: الرواة المتهمون بالتدليس على قسمين:

القسم الأول: من كثر تدليسه, واشتهر به, وكان غالباً عليه, فهذا لا يُقبَل حديثه حتى يصرح بالسماع, وهذا ولله الحمد لا يُعرَف عن أحد من الأئمة الثقات, ولا يوجد هذا النوع إلا فيمن قيل عنه أنه سيء الحفظ, أو ضعيف, أو صدوقٌ مختلف فيه, كبقية بن الوليد, والحجاج بن أرطاة, ونحو هؤلاء.

... القسم الثاني: من قلَّ تدليسه, أو دلَّس عن ثقة, فحكم حديثه الصحة, وتُقبَل عنعنته.

من ذلك: قتادة, والأعمش, وأبو إسحاق السبيعي, وأبو الزبير المكي, وهُشَيم, وابن جريج, والثوري, والوليد بن مسلم, وغير هؤلاء, فهؤلاء أئمة الحفظ, وأكابر علماء الحديث, وقد وُصِفَ هؤلاء بالتدليس, وهذا غير مؤثر على حديثهم. فالأصل في عنعنتهم الاتصال والسماع, ما لم يثبت عن الواحد منهم بأنه قد دلس, ووُجِدَت واسطة في الإسناد. وهذا يعرف بنص إمام, أو بجمع الطرق, أو بغير ذلك من القرائن المفيدة لمعرفة التدليس.

قوله: "فإذا قال الوليد أو بقية: عن الأوزاعي, فواهٍ, فإنهما يدلسان كثيراً عن الهلكى":

الوليد بن مسلم رحمه الله قد وُصِفَ بتدليس الإسناد, وتدليس الشيوخ, وتدليس التسوية. وذلك أنه قد يروي عن الأوزاعي عن بعض الضعفاء, فيُسقِط هذا الضعيف, ويُسَوِّي الإسناد. وقد قيل بأن تدليس الوليد خاص بروايته عن الأوزاعي, وهذا ظاهر عبارات الأئمة المتقدمين.

وقد يروي الوليد عن يوسف ابن أبي .. غير واضح .. وهو متروك عن الأوزاعي, فيُسقِط يوسف, ويروي عن الأوزاعي. وهذا لم يمنع الأئمة من كونهم يقولون بأن عنعنة الوليد غير مؤثرة, لأنه مكثِر عن الأوزاعي, ولأنه ما من حديث قد دلَّسه عن الأوزاعي إلا تبين للعلماء, وما عدا ذلك فالأصل فيه الاتصال والسماع, وهذا الذي نص عليه غير واحد من الأئمة.

ولم يكن أحد من أئمة السلف يعل أحاديث الأكابر كالحسن البصري أو قتادة بمجرد العنعنة, كصنيع كثير من المتأخرين, يقولون: فلان ثقة, وهو مدلس, وقد عنعن, فلا يُقبَل حديثه. وهذا غلط, وهذا يعني تضعيف أحاديث كثير من الأئمة, وإن كان بعضهم لا يلتزم هذا المنهج, يُعَبِّر عن الشيخين دون غيرهما, ويصحح بعض الأحاديث, لأنه لا يتجاسر على تضعيفها بمجرد العنعنة.

قوله: "أو بقية": هذا بقية بن الوليد الشامي الحمصي, وهو موصوف بكثرة التدليس عن الضعفاء, فإذا عنعن يُتَوقَّف في حديثه, حتى يثبت ما يفيد السماع أو الاتصال.))

و أخيرا أذكر ما قاله الامام علي ابن المديني ((سُئِلَ علي بن المديني رحمه الله تعالى عن الرجل يدلس, أيكون حجة فيما لم يقل فيه: حدثنا؟ فقال رحمه الله: إذا كان الغالب عليه التدليس فلا, حتى يقول: حدثنا)).

مفهوم هذا أنه إذا كان مقلاًّ, فلا تؤثر عنعنته على الإسناد والحديث.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير