قال العلامة ابن قيم الجوزية في " تهذيب السنن " (3/ 224) ما نصه:
" والتفرد الذي يعلل به هو تفرد الرجل عن الناس بوصل ما أرسلوه، أو رفع ما أوقفوه، أو زيادة لفظة لم يذكروها. وأما الثقة العدل إذا روى حديثاً وتفرد به لم يكن تفرده علة، فكم قد تفرد الثقات بسنن عن النبي صلى الله عليه وسلم عملت بها الأمة؟ ".
وأما الثانية: فقد رفعه جماعة وفيهم من قيل إنه وقفه وهم: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وشبلُ بن العلاء، وأبو العُميس عُتبة بن عبدالله، وزهير بن محمد، وزهير بن معاوية، وعبدالعزيز بن محمد الدراوردي، وعبدالرحمن بن إبراهيم القاص، وروح بن القاسم، وموسى بن عُبيدة، وأما رواية محمد بن جعفر، فما وقفتُ عليها، وإذا كانت فإن من رفعه ثقة، وزيادته مقبوله، والله أعلم.
وأما الثالثة: فقد ردها أبو داود بعدما نقل إعلال عبدالرحمن بن مهدي بقوله: " وليس هذا عندي خلافه ". أي: أن هذا لا يعارض ذاك.
قال أبو عبدالرحمن: أما حديث عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهرإلا رمضان، وما رأيته أكثر صياماً مِنه في شعبان "، وكذا قولها: " لم يكن النبي صلى الله عليه يصوم شهراً أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله .. "، وقولها أيضاً: " كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان "، وحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يارسول الله. لم أراك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟! قال: " ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم "، ولا تعارض بين هذه الأحاديث وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صوماً، فليصم ذلك اليوم " وحديث الباب من النهي عن صوم نصف شعبان الثاني، فإن الجمع بينهما ظاهر بأن يحمل النهي على من لم يدخل تلك الأيام في صيام اعتاده. فإن معنى حديث العلاء بن عبدالرحمن: أن يكون الرجل مفطراً، فإذا انتصف شعبان أخذ في الصوم لحال شهر رمضان. وحديث عائشة وما في معناه محمول على ما إذا كان يصوم صوماً اعتاده. قال الإمام الترمذي عَقِب الحديث:
" ومعنى الحديث عند بعض أهل العلم، أن يكون الرجل مفطِراً. فإذا بقي من شعبان شيء أخذ في الصوم لحال شَهُرِ رمضان ".
وقال العلامة ابن قدامة المقدسي في " المغني " (3/ 9 ـ مع الشرح الكبير):
" ويحمل هذا الحديث (يعني حديث العلاء) على نفي استحباب الصيام في حق من لم يصم قبل نصف الشهر وحديث عائشة في صة شعبان برمضان في حق من صام الشهر كله فإنه قد جاء ذلك في سياق الخبر فلا تعارض بين الخبرين إذاً. وهذا أولى من حملهما على التعارض ورد أحدهما بصاحبه والله أعلم ".
ذكر العلامة ابن قيم الجوزية في " تهذيب السنن " (3/ 224) مانصه:
" وأما ظن معارضته بالأحاديث الدالة على صيام شعبان، فلا معارضة بينهما، وإن تلك الأحاديث تدل على صوم نصفه مع ماقبله، وعلى الصوم المعتاد في النصف الثاني، وحديث العلاء يدل على المنع من تعمد الصوم بعد النصف، لا لعادة، ولا مضافاً إلى ماقبله، ويشهد له حديث التقدم ".
وقال العلامة عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله ـ:
" والمراد به النهي عن ابتداء الصوم بعد النصف، أما من صام أكثر الشهر أو الشهر كله فقد أصاب السنة ... ".
ــــــــــــــــ
(1) سهيل هو ابن أبي صالح: ذَكْوان السمّان، أبو يزيد المدني: ثقة من رجال مسلم، فيه كلام لا يضر.
(2) محمد بن عمرو هو ابن عَلْقمة بن وقاصش الليثي، المدني: فيه كلام لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن.
(3) سعيد بن أبي سعيد: كيسان المقبري، أبو سعد المدني: ثقة أخرج له الجماعة.
(4) تهذيب التهذيب (8/ 187).
(5) العلاء بن المسيب، هو ابن رافع الكاهلي، ويقال: الثعلبي، الكوفي: ثقة.
(6) قال في " الاستذكار " (10/ 239): وهو حديث صحيح.
(7) مسند الإمام أحمد بن حنبل (19/ 9) رقم (9705).
(8) قال كما في " الفتاوى " (4/ 143 ـ كتاب الدعوة): أما الحديث الذي فيه النهي عن الصوم بعد انتصاف شعبان فهو صحيح كما قال الأخ العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني.
(9) حاشية صحيح ابن حبان (8/ 358).
ـ[بندر البليهي]ــــــــ[05 - 08 - 10, 10:21 م]ـ
بارك الله فيك.
تخريج مميز.
ـ[مسفر القحطاني]ــــــــ[05 - 08 - 10, 11:27 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم.
جزاك الله خيراً أخي المبارك على هذا البحث المميز، و لكن لو أتممت لنا هذا البحث بالجواب على النقطتين التاليتين:
أولا: لو ذكرت لنا من ضعفه من العلماء، و خاصة أن بعضهم من كبار علماء الحديث و أسأطينه
قَالَ ابن رجب: ((واختلف العلماء في صحة هَذَا الْحَدِيْث ثُمَّ العمل بِهِ، أما تصحيحه فصححه غَيْر واحد، مِنْهُمْ: الترمذي، وابن حبان، والحاكم، وابن عَبْد البر. وتكلم فِيْهِ من هُوَ أكبر من هؤلاء وأعلم. وقالوا: هُوَ حَدِيْث منكر، مِنْهُمْ: عَبْد الرحمن ابن مهدي، وأحمد، وأبو زرعة الرازي، والأثرم، ورده الإمام أحمد بحديث: ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين))، فإن مفهومه جواز التقدم بأكثر من يومين))
ثانياً: ذكرت من المصحيحين له: أبا عوانة، فلو أحلت لنا، لأنه قال في مستخرجه: (بَابُ بَيَانِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ آخِرِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وبيان الخبر المعارض له، المبيح صومه، والخبر المبينِّ فضيلة صومه على صوم سائر الشهور والدال على توهين الخبر الناهي عن صيامه) فإنه يفهم من تبويبه السابق التضعيف.
¥