السنن (1/ 212):"أما صنع ابن الزبير فإنه لا يجوز عندي أن يحمل إلا على مذهب من يرى تقديم الجمعة قبل الزوال, وقد روى ذلك عن ابن مسعود وروى ابن عباس أنه بلغه فعل ابن الزبير فقال: أصاب السنة. وقال عطاء: كل عيد حين يمتد الضحى: الجمعة. وحكى إسحاق بن منصور عن أحمد بن حنبل أنه قيل له: الجمعة قبل الزوال أو بعده؟ قال: إن صليت قبل الزوال فلا أعيبه, وكذلك قال إسحاق, فعلى هذا يُشبه أن يكون ابن الزبير صلى الركعتين على أنهما جمعة وجعل اليد في معنى التنع لها." أهـ ويحتمل أنه صلى الظهر في بيته, ويكون رواية عطاء خطأً. قال ابن عبد البر في الإستذكار (2/ 385) "وتأول آخرون أنه لم يخرج إليهم, لأنه صلاها في أهله ظهراً أربعاً."
يقول أيضاً في التمهيد (10/ 277ـ278) " إذا احملت هذه الأثار من التأويل ما ذكرنا لم يجز لمسلم أن يذهب إلى سقوط فرض الجمعة عمن وجبت عليه لأن الله عز وجل يقول: "إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ" ولم يخص الله ورسوله يوم عيد من غيره , من وجه تجب حجته, فكيف بمن ذهب إلى سقوط الجمعة والظهر المجتمع عليهما في الكتاب والسنة والإجماع بأحاديث ليس منها حديث إلا وفيه مطعن لأهل العلم بالحديث, ولم يخرجا البخاري ولا مسلم بن الحجاج منها حديثاً واحداً وحسبك بذلك ضعفاً لها."أهـ
يقول أيضاً في الإستذكار (2/ 385) "وقد روي في هذا الباب عن ابن الزبير, وعطاء قول منكر أنكره فقهاء الأمصار ولم يقل به أحد منهم"أهـ
واستدل أصحاب هذا القول أيضاً بأثر علي. رواه عبد الرزاق في المصنف (3/ 305) (5731) عن الثوري عن عبد الله عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: اجتمع عيدان في يوم فقال: من أراد أن يجمع فليجمع, ومن أراد أن يجلس فليجلس. قال سفيان: يعني يجلس في بيته.أهـ وقال أصحاب هذا القول أنه لم يأمر الناس أن يصلو الظهر وإنما أمرهم ان يجلسو في البيت, فيجاب أن هذا الدليل حجة عليكم لا لكم, وذلك أن علي نفسه صلى الجمعة. ففي مصنف عبد الرزاق (5730) عن ابن جريج قال أخبرني جعفر بن محمد أنهما اجتمعا وعلي بالكوفة, فصلى ثم صلى الجمعة, وقال حين ضلى الفطر: من كان هاهنا فقد أذنّا له, كأنه لمن حوله, يريد الجمعة.اهـ فدل ذلك أنه أراد بقوله "ومن أراد أن يجلس فليجلس" هو الترخّص في التخلف عن الاجتماع للصلاة وحضور الخطبة الجمعة, لا أن يجلس في بيته ولا يصلي الطهر.
واستدلو أيضاً بحديث أبي هريرة عن رسول الله صلى عليه وسلم أنه قال: قد اجتمع في يومكم هذا عيدان, فمن شاء أجزأه من الجمعة, وإنّا مجمِّعون. رواه أبو داود (1073) وابن ماجه (1311) والحاكم (1/ 425ـ426) وابن الجارود (302) والبيهقي (3/ 318) والخطيب في التاريخ (3/ 344) كلهم من طريق بقية قال ثنا شعبة عن المغيرة الضبي عن عبد العزيز ابن رافع عن ابي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به. ووجه الدلالة أن قوله " أجزأه" يدل أنه قد برأت ذمته عن الجمعة وأجزأت عنه الجمعة, فهو كالأداء, فلا يطالب عنه الظهر, ومع أن الأصل في ذلك اليوم الجمعة, فلا شيء عليه إلا العصر. فيجاب أن الإستدلال فرع عن التصحيح, وقد أُعل هذا الحديث بالإرسال, أعله أبو زوعة , والدارقطني وابن عبد البر , وهو الصواب. ولو سلمنا أن الحديث صحيح, فالإجزاء هو كفاية العبادة أي كونها كافية في سقوط الطلب والخروج عن العهدة كما قال في المراقي
كفاية العبادة الإجزاء وهي أن يسقط الاقتضاء
فيقتضي ذلك أن رسول الله لما صلى العيد أجزءت عنه الجمعة وخرج عن عهدة الطلب, فكأنه أدّى الجمعة, ولماذا صلى رسول الله الجمعة وقد أجزأت عنه؟ فدل ذلك أن الإجزاء المقصود به في الحديث هي الترخص في التخلف عن الإجتماع مرة ثانية للجمعة لا الجمعة, ولما كانت الجماعة شرطٌ للجمعة بالإجماع تعين أن يصلى الظهر. يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوي (24/ 211) " وأيضاً فإنه إذا صلى العيد حصل مقصود الإجتماع ثم هو يصلي الظهر إذا لم يشهد الجمعة, فتكون الظهر في وقتها, والعيد يحصل مقصود الجمعة, وفي إيجابها على الناس تضييق عليهم وتكدير لمقصود عيدهم." اهـ
فتحصل من هذ: الظهر هو الأصل والجمعة بدل منه, ووجوب الظهر على من أخذ الرخصة.
وآخيراً فلا ينبغي لمسلم أن يسقط فرض ثابتة في الكتاب والسنة بححج واهية, وأثر منكر ظاهر النكارة.
هذا آخر ما أردت جمعه, اللهم أرنا الحق حقا, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلا, وارزقنا اجتنابه. وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا الى يوم الدين.
عبد العزيز كرعد الصومالي
16/رمضان 1431هـ
ـ[أبو إبراهيم الحائلي]ــــــــ[08 - 09 - 10, 10:44 م]ـ
بارك الله فيكم ونفع بكم
عن مسألة صلاة الظهر والجمعة، هناك قول لم تذكره وهو أنَّ صلاة الجمعة صلاة مستقلة، لا هي بدل عن الظهر والظهر بدل عنها إذا فاتت إجماعًا.
¥