تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[فوائد في أنواع التدليس وأحكامه]

ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[10 - 03 - 06, 08:31 م]ـ

بسم الله والحمد لله

مسألة التدليس وما يتعلق بها: من أمهات ومهمات مسائل الحديث؛ وقد حصل فيها غير قليل من النزاع والاختلاف بين العلماء، في فروعها وأصولها.

والتدليس مشتق من الدَّلَسِ، وهو في أصل معناه الظلام، ثم استعمل التدليس في اللغة بمعنى إخفاء العيب في المبيع ونحوه؛ وإنما استعملت هذه اللفظة في مصطلح المحدثين بالمعنى الآتي شرحه، لأن المدلس – مهما كان نوع التدليس – كأنه قد أظلم شيئاً من أمر الحديث على الناظر بتغطية وجه الصواب فيه كما يتضح مما يأتي؛ فإن التدليس أقسام عديدة مرجعها إلى أربعة أصول، أو أربعة أغراض؛ وتتبين تفاصيل ذلك كله بشرح أنواع التدليس فدونك أنواعه.

النوع الأول

تدليس الإسناد

وهو المراد بالتدليس عند الإطلاق، وهو أهم صوره وأشهرها وأكثرها وجوداً.

وهو أن يروي غير الصحابي عمن سمع منه - أو عمن حصل له من اللقاء به ما يظن معه حصول السماع - ما لم يسمعه منه من حديثه، حاذفاً الواسطة، قاصداً إيهام السماع بإحدى طرق الإيهام الآتي ذكرها.

وهو بتعبير آخر: أن يروي الشيخ حديثاً فيسمعه بعض تلامذته عنه، لا منه، أي يسمعه بواسطة وليس من الشيخ مباشرة، ثم بعد ذلك يرويه عن ذلك الشيخ موهماً سماعه إياه منه بحذف الواسطة والتعبير بإحدى الطرق الموهمة للسماع.

وهذا النوع من التدليس فيه إخفاء الانقطاع؛ ويسمى أيضاً تدليس الإرسال.

طرق الإيهام

يتم للراوي المدلِّس إيهام سماعه الحديث ممن فوقه من شيوخه، خلافاً للواقع، بإحدى أربع طرق:

الطريقة الأولى

وهي الأغلب الأشهر بين سائر طرق الإيهام؛ وهي استعمال الصيغة المحتملة للسماع ولعدمه - وتسمى أيضاً الصيغة الموهمة للسماع، أو الصيغ الموهمة - مثل (قال) و (ذكر) و (حدث)؛ بدل الصيغة الصريحة في الانقطاع مثل (حُدِّثت) و (أًخْبرت) و (قيل لي) ونحوها.

والمدلس لا يستعمل عند إرادته التدليس صيغ الانقطاع هذه لأنه لا يتم بها مقصوده. وأيضاً لا يستعمل صيغ صريحة في السماع لأنه حينئذ يكون كاذباً لا مدلساً، والفرض هنا أنه ثقة.

الطريقة الثانية

حذف صيغة الأداء أصلاً كما كان ابن عيينة يقول: (عمرو بن دينار سمع جابراً رضي الله عنه) ونحو ذلك. انظر (النكت لابن حجر) (2/ 617).

وهذا الصنيع يليق أن يسمى التدليس بحذف الصيغة.

ومنه صنيع هشيم في حديثه الذي رواه عنه عبد الله بن أحمد في (العلل) (2229) قال: حدثني أبي قال حدثنا هشيم قال: إما المغيرة وإما الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم: لم ير بأساً بمصافحة المرأة التي قد خلت من وراء الثوب؛ سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من مغيرة ولا من الحسن بن عبيد الله.

الطريقة الثالثة

تدليس العطف

وهو ثلاثة أنواع:

النوع الأول: عطف اسم راو على اسم راو قبله مع نية القطع:

وهو أن يروي عن شيخين من شيوخه ما سمعاه من شيخ اشتركا فيه، ويكون المدلس قد سمع ذلك المروي من أحدهما دون الآخر، فيصرح عن الأول بالسماع ويعطف الثاني عليه، فيوهم أنه حدث عنه بالسماع أيضاً؛ وهو إنما حدث بالسماع عن الأول ثم نوى القطع فقال: (وفلان)، أي: وحدث فلانٌ.

مثاله ما روى الحاكم في (معرفة علوم الحديث) ص131 قال: (وفيما حدثونا أن جماعة من أصحاب هشيم اجتمعوا يوماً على أن لا يأخذوا منه التدليس ففطن لذلك فكان يقول في كل حديث يذكره: حدثنا حسين ومغيرة عن إبراهيم، فلما فرغ قال لهم: هل دلست لكم اليوم؟ فقالوا: لا، فقال: لم أسمع من مغيرة حرفاً مما قلته، إنما قلت حدثني حصين، ومغيرة غير مسموع لي) ا. هـ.

ولكن هذه القصة ذكرها الحاكم بغير سند، ويظهر أنها لم تُرو مسندة، فعلى هذا لا تصح.

النوع الثاني: عطف جملة سياق حديث على جملة سياق حديث قبله:

ورد نحو ذلك فيما يظهر في صنيع هشيم في حديثه التالي:

قال عبد الله بن أحمد في العلل (2191): (حدثني أبي قال: حدثنا هشيم قال أخبرنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يوم خيبر للفرس سهمين وللرجل سهماً)؛ ثم قال (2192): (حدثني أبي قال: حدثنا هشيم قال: وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من عبيد الله).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير