تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[حول عبقرية علماء الحديث]

ـ[أبو المهاجر المصري]ــــــــ[05 - 03 - 06, 01:39 ص]ـ

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد

فمن المسائل التي استرعت انتباهي، عند قراءة كتاب "العواصم من القواصم"، نسبة كتاب "الإمامة والسياسة" لابن قتيبة، رحمه الله، وفيها من النظر ما فيها، لما في الكتاب من تعد في القول، لا يتصور من مثل ابن قتيبة، وهو من هو في سلامة الاعتقاد وتحري السنة، ولعل هذه النسبة هي التي حملت ابن العربي، رحمه الله، على وسم ابن قتيبة، رحمه الله، بالجهل إذ يقول: (ومن أشد شيء على الناس جاهل عاقل أو مبتدع محتال، فأما الجاهل فهو ابن قتيبة، فلم يبق ولم يذر للصحابة رسما في كتاب "الإمامة والسياسة" إن صح عنه جميع ما فيه)، فعلق ابن العربي، رحمه الله، الوصف بصحة النسبة لابن قتيبة، رحمه الله، وهذا من إنصافه وعدله، رحمه الله، وعن هذه النسبة يقول الشيخ محب الدين الخطيب رحمه الله: (لم يصح عنه، أي ابن قتيبة رحمه الله، شيء مما فيه، ولو صحت نسبة هذا الكتاب للإمام الحجة الثبت أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة لكان كما قال ابن العربي، لأن كتاب الإمامة والسياسة مشحون بالجهل والغباوة والركة والكذب والتزوير)، وابن قتيبة هو من هو في الفصاحة والبيان فلا يتصور من مثله ركة في اللفظ.

ويدلل الشيخ، رحمه الله، على قوله: بأن مؤلف الإمامة والسياسة يروي كثيرا عن اثنين من كبار علماء مصر، وابن قتيبة لم يدخل مصر ولا أخذ عن هذين العالمين، فدل ذلك على أن الكتاب مدسوس عليه.

وهذا ما يمهد لموضوع هذه المشاركة، فما استدل به الشيخ، رحمه الله، هو منهج نقاد الحديث المتقدمين، فإنهم يلجئون لتاريخ الراوي، ومعرفة من لقيه، ومن سمع منه من مشايخه، وأين ومتى لقيهم، وكم كان عمره حين اللقاء، لأنه قد يلقاهم وهو غير مدرك، فلا يقال بأنه سمع فلانا، وإنما يقال: "حضر مجلس فلان"، وهل ثبت فعلا أنه ولد قبل وفاتهم، لأنه ثبت أن بعض الكذابين قد ادعى السماع من مشايخ قد ماتوا قبل أن يولد أصلا!!!!!، وادعى البعض الآخر السماع منهم في بلاد لم يدخلوها أصلا لا طلبة ولا شيوخا، أو دخلوها ولكن التاريخ الذي يدعون فيه سماعهم منهم، قد ثبت، يقينا، أنهم كانوا غير حاضرين فيه في تلك البلاد، أو كانوا ممنوعين من حضور مجالس العلم، وبهذا الأصل:

قال الأئمة المتقدمون بأن رواية الحسن البصري، رحمه الله، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، مرسلة، أي منقطعة، رغم أن الحسن قد عاصر أبا هريرة، وبلغ سنا يمكنه من السماع والحمل، في حياة أبي هريرة، بل وثبت أن أبا هريرة، دخل البصرة، فكيف تكون الرواية منقطعة، وقد تضافرت الأدلة على إثبات اتصالها؟!!، والجواب على ذلك، كما ذكر أئمة الحديث: أن الحسن البصري لم يكن موجودا في البصرة وقت دخول أبي هريرة إليها، فلم يلتق به ليسمع منه.

وبهذا الأصل، أيضا، رد المؤرخون فرية ابن بطوطة على شيخ الإسلام، رحمه الله، لما رماه بالتجسيم، وقال بأن ابن تيمية يقول: إن الله ينزل في ثلث الليل الآخر كما أنزل من على هذا المنبر ونزل درجة، ومعلوم ما في هذا الهراء من مخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة الذين يثبتون صفة النزول لله، عز وجل، على الوجه الذي يليق بجلاله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، فقد ثبت أن شيخ الإسلام، رحمه الله، كان مسجونا في قلعة دمشق في نفس الوقت الذي افترى فيه ابن بطوطة هذه الفرية، فبالله عليك يا ابن بطوطة كيف حضرت هذا المجلس وسمعت شيخ الإسلام يقول ما افتريته عليه، أتراهم أطلقوه ليحضر هذا المجلس بعينه لتسمع منه هذا القول ثم يعيدوه مرة أخرى إلى سجنه؟!!!!!.

وكذا يهتم النقاد بمعرفة تلاميذ كل شيخ، ودرجة إتقان كل واحد منهم في حمل وأداء ما سمعه منه، ومعرفة درجة إتقان الراوي نفسه في أحاديث شيوخه، فقد يكون الراوي ثقة ثبتا في مجمل حاله، ولكن حديثه عن شيخ معين أو أهل بلد معين، أو حديث أهل بلد معين عنه، فيه اضطراب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير