[الحديث الحسن عند الإمام الشافعي]
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[14 - 09 - 06, 05:46 م]ـ
[الحديث الحسن عند الإمام الشافعي]
إن من المسائل المتعلقة بحجية أخبار الآحاد، البحث عن حجية ما اصطلح المحدثون المتأخرون على تسميته حديثا حسنا، وهو رواية من خف ضبطه من الرواة، وكذا ما ضعف إسناده وتعددت طرقه، أعني الحسن لذاته والحسن لغيره، والمسألة وإن كان حديثية لم أر من أهل الأصول من تعرض لها، إلا أني رأيت لربطها بالأصول وجها، وذلك من حيث كونها متعلقة بالحجية، وقد وجدت للشافعي فيها آراء ونصوصاً كان لزاما تجلية ما خفي منها كموقفه من رواية من خف ضبطه، وتوضيح ما التبس منها كلفظ " الحسن " الوارد على لسانه، وقد جعلت البحث في المبحثين الآتيين.
المبحث الأول: مفهوم لفظ الحسن عند الشافعي
المبحث الثاني: حجية الحديث الحسن الاصطلاحي عند الشافعي
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[16 - 09 - 06, 08:13 م]ـ
المبحث الأول: مفهوم لفظ "الحسن" عند الشافعي
مما ينبغي البحث فيه وتحقيق معناه "لفظ الحسن " الذي وصف به الشافعي رحمه الله تعالى بعض الأحاديث، هل هو موافق لما اصطلح عليه المتأخرون أم هو مباين له، وللوصول إلى ذلك فإنه لابد من استحضار المواضع التي ورد فيها هذا الاصطلاح جميعها.
المطلب الأول: نصوص الشافعي
قد ورد ذكر الحسن على لسان الشافعي في عدة مواضع من مصنفاته هذا ما تيسر لي جمعه.
الفرع الأول: ما قبِله من الأخبار
أولا: قال الشافعي: «وسمعت من يرويه بإسناد حسن أن أبا بكرة ذكر للنبي ? أنه ركع دون الصف فقال له النبي ? زادك الله حرصا ولا تعد» (1).
قال البيهقي: «أخبرناه أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان قال أخبرنا أحمد بن عبيد قال حدثنا تمتام قال حدثنا أبو عمر قال حدثنا همام عن زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة أنه دخل المسجد والنبي ? راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف. فقال النبي ?: «زادك الله حرصا ولا تَعد». رواه البخاري في الصحيح عن موسى بن إسماعيل وعن همام» (2).
ثانيا: قال الشافعي: «وحديث ابن عمر عن النبي ? مسند حسن الإسناد أولى أن يثبت منه لو خالفه». يعني أن حديث ابن عمر أرجح سندا لو ثبت التعارض بين اللفظين، لكن الحديث المخالف إسناده مرسل ولفظه عام.
وحديث ابن عمر كان أسنده قبلُ: «فقال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: «إن أناسا يقولون إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس». قال ابن عمر: «لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا، فرأيت رسول الله ? على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته» (3). والحديث في الصحيحين (4).
ثالثا: قال الشافعي: «أخبرني مطرف بن مازن وهشام بن يوسف بإسناد لا أحفظه غير أنه حسن أن النبي ? فرض على أهل الذمة من أهل اليمن ديناراً كل سنة» (5).
ومن المحتمل أن يكون المقصود بهذا الخبر خبر أبي بكر بن عياش عن عاصم عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ ابن جبل قال: «بعثني رسول الله ? إلى اليمن، وأمرني أن آخذ من كل حالم ديناراً أو عدله معافر». فقد رواه الشافعي في القديم -كما نص عليه البيهقي - من طريق الأعمش عن أبي وائل (6).
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[16 - 09 - 06, 08:14 م]ـ
الفرع الثاني: ما لم يقبله من هذه الأخبار
أولا: قال الشافعي: «أما أحد الحديثين فليس مما يثبت أهل العلم بالحديث لو انفرد، وأما الحديث الآخر فحسن الإسناد ولو كان منفرداً ثبت والذي يخالفه أكثر وأثبت منه. وإذا كان هكذا كان أولى ومع الذي خالفه ظاهر القرآن كما وصفت وهو قول الأكثر من العامة».
وهذا الحديث هو حديث الرش على ظهور القدمين في الوضوء وقد وصفه قبل ذلك بأنه صالح الإسناد (7).
قال البيهقي: «وأراد الشافعي بالحديث الثاني ما أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان قال أخبرنا أحمد بن عبيد قال حدثنا عبيد بن شريك قال حدثنا أبو الجماهر قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس أنه قال: «توضأ رسول الله ? فأدخل يده في الإناء فاستنشق ومضمض مرة واحدة، ثم أدخلها فصب على وجهه مرة، وعلى يده مرة ومسح برأسه وأذنيه مرة، ثم أخذ بملء كفه ماء فرَّش على قدميه وهو منتعل». ثم أسنده من طريق هشام بن سعد قال: «حدثنا زيد بن أسلم». وبين أنه رواه جماعة أخرى عن ز يد بن أسلم، ثم قال: «قال ذكر كل واحد منهم في حديثه أنه أخذ غرفة من ماء فغسل رجله اليمنى ثم أخذ غرفة أخرى فغسل رجله اليسرى أو ما في معنى الحديث». ثم قال: «وهشام بن سعد وعبد العزيز بن محمد ليسا من الحفظ بحيث يقبل ما ينفردان به، وكيف وقد خالفهما عدد ثقات» (8).
ثانيا: قال الشافعي: «أخبرنا محمد بن إسماعيل عن ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول ? قال: (وذكر فاجلدوه……الحديث». قال الشافعي: «وقد بلغني عن الحارث بن عبد الرحمن فضل وعنده أحاديث حسان، ولم يحفظ عن أحد من أهل العلم بالرواية عنه إلا ابن أبي ذئب ولا أدري هل كان يحفظ الحديث أو لا؟ وقد روى من حديث عمرو بن شعيب …وروي من حديث أبي الزبير ……»، ثم قال: «فإن كان شيء من هذه الأحاديث ثبت عن النبي ? فقد روي عن النبي نسخُه بحديث أبي الزبير، وقد روى عن النبي ? مثلها بنسخه مرسلا «(9).
ثالثا: نقل الحافظ ابن حجر أن الشافعي أطلقه على حديث منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود في السهو (10)، أي الذي فيه أن السجود بعدي، والشافعي يقول إن سجود السهو قبلي. ولم أقف على كلام الشافعي (11).
¥