[اعتبار صفات رواة المتواتر]
ـ[طارق الحمودي]ــــــــ[20 - 08 - 06, 11:55 م]ـ
ـ اعتبار صفات رواة المتواتر
بسم اله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فقد حصل بيني وبين بعض إخواننا الفضلاء نقاش عن قول السيوطي رحمه الله في التدريب في مبحث المتواتر وهو يتحدث عن شروطه (2/ 159): (ولذلك يجب العمل به من غير بحث عن رجاله) ومثله قول الحافظ في النزهة: (المتواتر لا يبحث عن رجاله , بل يجب العمل به من غير بحث) وأخبرني أن بعض الفقهاء فهم من هذا أنه لا يبحث في صفاتهم مطلقا , فوعدته أن أسأل شيخنا محفوظ حفظه الله تعالى عن ذلك فكان جواب الشيخ أنه (لا بد ابتداء من الاطلاع على صفاتهم كي نتحقق من أنه تحيل العادة تواطأ مثلهم على الكذب أو الخطأ) ,وكلام شيخنا حفظه متوجه, فقد نص على ذلك السخاوي وبينه في فتح المغيث (3/ 37) فقال معرفا له أنه ما (ورد عن جماعة غير محصورين في عدد معين ولا صفة مخصوصة, بل بحيث يرتقون إلى حد تحيل العادة معه تواطؤهم على الكذب, أو وقوع الغلط منهم اتفاقا من غير قصد, وبالنظر لهذا خاصة يكون العدد في طبقة كثيرا وفي أخرى قليلا, إذ الصفات العلية في الرواة تقوم مقام العدد, أو تزيد عليه , هذا مع كون مستنده الحس من مشاهدة أو سماع ... )
وقال أيضا ناقلا كلام ابن حجر في معرض انتقاده دعوى ابن الصلاح قلة المتواتر (3/ 41): ( ... وقرر أن ذلك من قائله نشأ عن قلة اطلاع على كثرة الطرق وأحوال الرجال وصفاتهم المقتضية لإبعاد العادة أن يتواطؤوا على كذب أو يحصل منهم اتفاقا) وهو في النزهة!
وقال بعده بقليل: ( ... وقد توقف بعض الأخذ عنه من الحنفية في الشام أول مقالته هذه مع ما سلف من أنه لا دخل لصفات المخبرين في المتواتر, وهو واضح الالتئام, فما هذا بالنظر إلى كونه أهل هذه الطبقة مثلا بتقييد العادة لجلالتهم تواطؤ ثلاثة منهم على كذب أو غلط, وكون غيرها لانحطاط أهلها عن هؤلاء لا يحصل ذلك إلا بعشرة مثلا وغيرها لعدم اتصاف أهلها بالعدالة ومعرفتهم بالفسق ونحوه لا يحصل إلا بمزيد كثير من العدد, نعم يمكن بالنظر لما أشرت إليه أن يكون المتواتر من مباحثنا فالله أعلم) وقوله من مباحثنا أي أهل الحديث , وهذا إشارة إلى ما يذكره علماء المصطلح أن المتواتر ليس من مباحث علم الإسناد, وما نقلته هنا عن السخاوي وهو تلميذ الحافظ ابن حجر دال على أن ما يدل على استحالة التواطؤ على الكذب شيئان, كثرة الطرق وصفات الرواة.
فالمرجو المساهمة في هذا الموضوع
ـ[أبو المنذر المنياوي]ــــــــ[21 - 08 - 06, 12:22 ص]ـ
أخي الكريم:
إن من نظر في شروط التواتر علم أنها ليست منفصلة بعضها عن بعض ولكنها متلائمة ومكملة لبعضها البعض، فإذا اجتمعت كانت كالمشافهة في إفادة العلم يستوفي في ذلك العامي وغيره.
ويوضحه أن شروط التواتر هي كالتالي: عدد كثير من بداية السند إلى انتهائه تحيل العادة تواطؤهم أو توافقهم على الكذب وذلك لأن مستندهم الحس.
وعليه فمتي توفرت هذه الشروط وحصل عندنا العلم الضروري بمضمون الخبر علمنا يقيناً عدم التواطؤ على الكذب أو الوضع دون بحث، ولنضرب مثالاً توضيحياً لذلك ذكره السخاوي، وسوف أبين – إن شاء الله – وجه دلالته على ما ذكرت:
قال السخاوي في فتح المغيث ج: 3 ص: 37: (قال شيخنا إن كل متواتر مشهور ولا ينعكس يعني فإنه لا يرتقي للتواتر إلا بعد الشهرة فهو لغة ترادف الأشياء المتعاقبة واحدا بعد واحد بينهما فترة ومنه قوله تعالى: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا) أي رسولا بعد رسول بينهما فترة واصطلاحا هو ما يكون مستقرا في جميع طبقاته أنه من الابتداء إلى الانتهاء ورد عن جماعة غير محصورين في عدد معين ولا صفة مخصوصة بل بحيث يرتقون إلى حد تحيل العادة معه تواطأهم على الكذب أو وقوع الغلط منهم اتفاقا من غير قصد وبالنظر لهذا خاصة يكون العدد في طبقة كثيرا وفي أخرى قليلا إذ الصفات العلية في الرواة تقوم مقام العدد أو تزيد عليه هذا كله مع كون مستند انتهائه الحس من مشاهدة أو سماع لأن ما لا يكون كذلك يحتمل دخول الغلط فيه ونحوه كما اتفق أن سائلا سأل مولى أبي عوانة بمنى فلم يعطه شيئا فلما ولي لحقه أبو عوانة فأعطاه دينارا فقال له السائل والله لأنفعنك با أبا عوانة فلما أصبحوا وأرادوا الدفع من المزدلفة وقف ذلك السائل على طريق الناس وجعل ينادي إذا رأى رفقة من أهل العراق يا أيها الناس اشكروا يزيد بن عطاء الليثي يعني مولى أبي عوانة فإن تقرب إلى الله عز وجل اليوم بأبي عوانة فاعتقه فجعل الناس يمرون فوجا فوجا إلى يزيد يشكرون له ذلك وهو ينكره فلما كثر هذا الصنيع منهم قال ومن يقدر على رد هؤلاء كلهم اذهب فأنت حر).
والشاهد أن هذه القصة المختلقة لا يتوافر فيها شروط التواتر وذلك لأن هؤلاء القوم ليس مستندهم الحس، كما أن شرط الكثرة لم تتوافر في الطبقة الأولى المفترض أنها تكون قد شاهدت مولى أبى عوانة وهو يعتقه.
وههنا نكتة ينبغي التفطن لها، هي أن هذا السيد لم يحدث له العلم بعتق مولاه مع كثرة المخبرين له لحصول اليقين عنده بأنه لم يحدث منه ذلك، وهذا مانع حقيقي عنده من حصول العلم بصدق حادثة العتق لاستحالة اجتماع النقيضين أو حصول التعارض الحقيقي بين الأخبار.
والمقصود بيان أن تحقق شروط التواتر لا يستلزم البحث عما ذكر. والله أعلم.،
وعليه فالأقرب عندي أن المتواتر أشبه بمباحث علم الرواية من علم الدراية.
¥