تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

له من سنة "712" إلى تاريخ وفاته المتقدم في ترجمته.

وبالجملة فهو أحد من قام بنشر السنة وجعلها بينه وبين الآراء المحدثة أعظم جُنة فرحمه الله وجزاه عن المسلمين خيراً---).

هذا بعض كلام أهل العلم في هذا الإمام، وبعض شهادتهم له، بعلو المنزلة وقوة الديانة وشدة محبة السنة وكثرة الإنصاف؛ ولكن رغم ذلك كله غمز طريقته في نقد الأحاديث بعضُ المعاصرين، فاتهمه بالتساهل في رواية الحديث الضعيف وتقويته إذا وافق مشربه فقال في حاشيته على (الأجوبة الفاضلة) (ص130 - 132):

(أما ابن القيم فمع جلالة قدره ونباهة ذهنه ويقظته البالغة: فإن المرء ليعجب منه رحمه الله تعالى كيف يروي الحديث الضعيف والمنكر في بعض كتبه كمدارج السالكين من غير أن ينبه عليه! بل تراه إذا روى حديثاً جاء على مشربه المعروف بالغ في تقويته وتمتينه كل المبالغة حتى يخيل للقارئ أن ذلك الحديث من قسم المتواتر، في حين أنه قد يكون حديثاً ضعيفاً أو غريباً أو منكراً، ولكن لما جاء على مشربه جمع له جراميزه وهبَّ لتقويته وتفخيم شأنه بكل ما أوتيه من براعة بيان وقوة لسان).

ثم ذكر مثالاً لذلك؛ ثم ختم كلامه هذا بقوله:

(فصنيع ابن القيم هذا يدعو إلى البحث والفحص عن الأحاديث التي يرويها من هذا النوع ويشيد بها في تآليفه، وهي من كتب يوجد فيها الحديث الضعيف والمنكر والموضوع).

قلت: لهذا الكلام – والحق يقال - بعض الأصل، وله نصيب من الصحة، ولكنه قد بالغ فيه صاحبه وهوّل وتجاوز الحد وأفرط.

بل إنه يظهر لي أن هذا الناقد لم يمدح ابن القيم بما امتدحه به في أول كلامه إلا ليقول إنه سيء القصد مع علمه بالأمور، وحاشاه.

ونحن لا نبرئ ابن القيم، جملة وتفصيلاً، من جميع ما ادعاه عليه هذا المدعي، وإنما نبرئه من مخالفة أصول الدين وما ثبت من نصوص الوحي، وما ظهرت أو ترجحت صحته من أقوال أئمة هذا الشأن والمحققين من أهل العلم، ونبرئه من الجرأة في دين الله ومن التهجم على الأحكام، ونبرئه من سوء القصد وقلب الحقائق والتلاعب بالمسائل العلمية، خلافاً لبعض الناس ممن يبجلهم صاحب هذه الدعوى، بل يظهر أنه هو نفسه لم يسلم من ذلك.

وبعد هذا، فابن القيم ليس بالمعصوم، وهو عالم مجتهد متمكن يقول بما يرى ويحكم بما يظهر له، ويصيب غالباً ويخطئ أحياناً، وهو إنما يقوي الأحاديث الضعيفة أحياناً إذا كان قد سبقه إلى تمتينها أو قبولها بعض الأئمة ولم يظهر له أنها منكرة أو باطلة؛ وأما المناكير والساقطات فليس ابن القيم ممن يقبلها أو يدافع عنها إذا بان له نكارتها أو سقوطها.

وأما إيراده الأحاديث الضعيفة في كتبه ساكتاً عليها فهذه - وإن كان فيها نوع خلل وتقصير - طريقة جمهور العلماء قديماً وحديثاً ولا سيما في كتب الرقائق والوعظ والزهد والتزكية وأكثر كتب ابن القيم هي من هذا الباب، أو هو مدارها.

وفي الجملة فليس ببعيد أن يوصف ابن القيم بشيء من التساهل في تقوية الأحاديث الضعيفة أحياناً، ولكن البعيد أن يوصف بما أراده صاحب الكلام المذكور.

وقد تقدمت شهادة الإمام الشوكاني له إذ قال:

(ولكنه لا يتجاسر على الدفع في وجوه الأدلة بالمحامل الباردة كما يفعله غيره من المتمذهبين، بل لا بد له من مستند في ذلك؛ وغالب أبحاثه الإنصاف والميل مع الدليل حيث مال، وعدم التعويل على القيل والقال).

********************

ومن محاسن النقد عند ابن القيم متابعته لعلماء العلل إذا وقف على كلامهم ولم ير ما خالفه من كلام أمثالهم، ومعرفته بمراتب كتب الحديث، ونظره إلى معنى الحديث على طريقة الأئمة الجامعين بين تعظيم النصوص وحسن انتقادها من جهة الغرابة والنكارة ونحوهما.

قال ابن القيم في (الفروسية) (ص46) في أثناء كلامه على بعض الأحاديث: (أما تصحيح أبي محمد بن حزم له فما أجدره بظاهريته وعدم التفاته إلى العلل والقرائن التي تمنع ثبوت الحديث بتصحيح هذا الحديث وما هو دونه من الشذوذ والنكارة؛ فتصحيحه للأحاديث المعلولة وإنكاره لتعليلها نظير إنكاره للمعاني والمناسبات والأقيسة التي يستوي فيها الأصل والفرع من كل وجه؛ والرجل يصحح ما أجمع أهل الحديث على ضعفه، وهذا بين في كتبه لمن تأمله).

ولو جُمع ما في كتب ابن القيم من كلام له على الأحاديث – تصحيحاً وتعليلاً - ورُتب بحسب الموضوعات لكان من ذلك كتابٌ حافل.

وكذلك أصوله في نقد الأحاديث والرواة لو جمعت من كتبه لكان من ذلك قدر نافع طيب بإذن الله ...

******************************************

(1) لو قال (كاد) لكانت أولى.

(2) في الأصل (المختصر)، وأثبتُّ ما أطنه الصواب، والمراد بـ (المختص) هو (المعجم المختص بالمحدثين).

(3) تحرفت في (البدر الطالع) المطبوع إلى (جلس).

(4) في (البدر الطالع) المطبوع (مذهب) بالتنكير.

(5) في (البدر الطالع) المطبوع (المتهذبين)، وهو خطأ فغيرته.

ـ[سيف 1]ــــــــ[21 - 03 - 06, 05:06 م]ـ

جزاك الله خيرا ياشيخ محمد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير