القول الثاني: أَنْ يقال إن المقصود بالمثلية طبقة من فوق، أو من بعد شيوخ البخاري ومسلم، فإنه معروف أن الحاكم متأخر، وُلد سنة ثلاثمائة وواحد وعشرين يعني بعد وفاة البخاري ومسلم، فطبقت شيوخه وشيوخ شيوخه لن يكونوا من رجال البخاري ومسلم في كثير من الأحيان، وخاصةً طبقة شيوخه يقينًا، فهؤلاء ما هو شرطه فيهم؟
شرطه فيهم أن يكونوا مثل رجال البخاري ومسلم في الضبط والإتقان، هذا احتمال وارد، وقد قاله بعض المعاصرين.
الاحتمال الأخير: وهو أقوى الاحتمالات عندي أنه قصد بالمثلية هنا الأحاديث وأرى العبارة صريحة في ذلك لأنه أَيْش يقول؟
يقول: وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج بمثلها
الضمير هنا يعود للأحاديث ولَّا للرجال؟
لأنه لو أراد الرجال أيش يقول؟ بمثلهم، هو يقول: " بمثلها ".
أعيد العبارة: وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج بمثلها الشيخان.
فيريد يقول: شرطي في الأحاديث مثل شرط البخاري ومسلم أو أحدهما، فهو يقصد هنا هذه الأحاديث أي بأسانيدها ومتونها أشترط أن تكون على شرط البخاري ومسلم يعني رجالها رجال البخاري ومسلم، أو رجال البخاري وحده، أو رجال مسلم وحده، فهو يتكلم عن الأحاديث التي اجتمعت فيها شروط الشيخين، ومن بين شروط الشيخين: أن يكونوا رجاله رجال البخاري عندي إذا كان شرط البخاري، أو رجاله رجال مسلم عند مسلم، وهذا هو الذي يترجح عندي في قوله أو في مسألته المثلية التي ذكرها في كلامه.
لكن نريد أن نتوقف عند وصف الحديث الذي رجاله رجال الشيخين بأنه على شرط الشيخين:
هل هذا الوصف صحيح، أو هذا الإطلاق دقيق؟ هل شرط الشيخين فقط أن يتحقق بإسناد وجود هؤلاء الرجال؟
لاشك أنه ليس هذا هو شرط البخاري ومسلم وحدهما، فكان الأولى بالحاكم ومن وافقه على استخدام هذا التعبير إذا أراد أن يُعبر عن إسناد رجاله رجال البخاري ومسلم أو أحدهما أن يقول: رجاله رجال البخاري ومسلم، أو رجاله رجال البخاري، أو رجاله رجال مسلم، لا يقول شرطه أو هو على شرط الشيخين؛ لأن الشرط ليس قاصرًا على الرجال فقط، بل يجب أن يكون هذا الحديث مثلًا: غير مُعَل، غير شاذ، هذا شرط، فقد يكون الحديث رجاله رجال البخاري لكنه عند البخاري ومسلم شاذ أو مُعل ولذلك لم يخرجاه فلذلك لم يخرجاه، فكيف يوصف مع ذلك بأنه على شرط الشيخين؟
لكن لو قلت: رجاله رجال الشيخين هذا ليس فيه نقد ولو ظهر فيه علة خفية؛ لأن العلة الخفية لا علاقة لها بالرجال وبالسند وبظاهر السند، فهذا الوصف في الحقيقة هو الذي أدى بالتساهل بالحاكم وبغيره؛ يعني أصبح كأن مجرد تحقق وجود رجال هذا كافٍ للحكم على الحديث بالصحة وهذا ليس بصحيح.
أيضًا حتى رجال البخاري ومسلم بعض رجال البخاري ومسلم ما أخرجوا لهم احتجاجًا بكل مروياتهم كما هو معروف، فربما انتقوا من مرويات بعض من لهم أوهام ما لم يخطئوا فيه فيخرجونه، وتركوا أحاديث لهؤلاء الرواة أنفسهم لأنهم رأوا قد أخطئوا فيها ووهموا، فكوني أخرج لهذا الراوي كل ما روى وأدعي أنه شرط البخاري ومسلم هذا خطأ لأن البخاري قد يكون تعمَّد ترك هذا الحديث لكونه مما أخطأ فيه ذلك الراوي الذي خرَّج له في صحيحه، ولذلك قَسَّم الحافظ بن حجر أحاديث " المستدرك" إلى ثلاثة أقسام أساسية.
يقول في هذه الأقسام الأساسية
القسم الأول: أن يكون إسناد الحديث الذي يخرِّجه الحاكم محتجًا برواته في الصحيحين أو أحدهما على صورة الاجتماع سالمًا من العلل.
انتبهوا العبارة دقيقة: يقول: احترزنا بقولنا (على صورة الاجتماع) عما احتج بروايته على صورة الانفراد.
يقول: هناك رواة احتج بهم البخاري، أو مسلم لكن ما احتجوا بهم في السياق الذي احتج به الحاكم، وإنما احتجوا بهم في سياق آخر، أو برواية هذا الراوي عن رجل آخر، يضرب لذلك مثال الحافظ يقول: مثل: سفيان بن حسين والزهري.
¥