خلاصة هذا المبحث أن المنام المنسوب إلى عمر رضي الله عنه لا يصح, لأجل حديث جابر من حديثه هو عن النبي r في جواز قبلة الصائم ولأجل ضعف عمر بن حمزة العمري أحد رواة المنام, ولشيء آخر غاب عن ابن الأزرق بحمد الله تعالى , ليقضي الله أمرا كان مفعولا, وهو فضيحته. فقد روى عبد الرزاق [7429] وابن سعد في الطبقات (1/ 292) عن يحيى بن سعيد القطان عن أبي بكر بن حزم عن عبد الله بن عبد الله بن عمر أن عاتكة بنت زيد قبلت عمر بن الخطاب وهو صائم فلم ينهها. وفي الموطأ والطبقات أيضا أنها كانت تقبل رأسه, فانظر رعاك الله نظر منصف عاقل, كيف ينهى عن قبلة الصائم, ثم يترك زوجته تقبله وهو صائم. ولا يقولن أحد إنها هي التي قبلته لا هو. فإن العبرة بالأثر التي تحدثها القبلة عنده سواء كانت منه أو من زوجته.
ثم إنه لو كانت الرؤيا حجة, لما خالف ثلة من الصحابة عمر, والله أعلم.
وإني لأستغرب وما ينقضي عجبي من الأزرق , فإنه اشترط لجواز الاحتجاج بالمنامات أن لا تعارض حكما شرعيا محكما وها هو هنا وفي غيره يخالف ذلك, فيعارض المعروف من سنة النبي ? بمنام لعمر.
الشاهد الثامن: عمر يعزل أحد القضاة
ذكر رواية ابن أبي الدنيا في الإشراف عن محارب بن دثار أن عمر قال ... الأثر.
قال: بقيت علي واحدة وهي أن محاربا لم يدرك عمر بن الخطاب, فالسند منقطع, لكن القصة ثابتة بالقرائن الآتية:
شيوخه الذين استقصاهم المزي في التهذيب كلهم ثقات رجال الصحيحين أو أحدهما, وغالبهم ممن أدركوا عمر رضي الله عنه
2ـ محارب تابعي كبير, أدرك جماعة من الصحابة, ومنهم عبد الله بن عمر, فالغالب أنه سمع القصة منهم
3ـ محارب كان قاضيا فهو ملم بأخبار القضاة
4ـ نص بعض الأئمة على أن القصة مشهور وذكر منهم ابن عبد البر وقوله: يقال إن حابس بن سعد الطائي هو الذي ولاه عمر ... القصة.
5ـ ثم تشهد لها أخبار استناد عمر بن الخطاب إلى الرؤى وعمله بها ... فأنت ترى الخليفة الراشد بنى عزل أحد قضاته على منام.
قلت: محارب بن دثار لم يدرك عمر كما قال ابن الأزرق, وهذا سبب كاف للحكم على القصة بالضعف. وأما ما ساقه من قرائن فكلها ساقط
أما قوله:إن شيوخه الذين استقصاهم المزي كلهم رجال الصحيح فدليل على كثافة جهله, وبعده عن علم الحديث كبعد الأرض عن جو السماء, فكل مشتغل بالحديث وعلومه يعلم أن المزي لا يذكر في تهذيبه إلا شيوخ الراوي الذين روى عنهم في الكتب التي رمز لها , وكذلك تلامذته, ومعنى هذا أنه لا يستقصي كل شيوخه, فإن له شيوخا آخرين روى عنهم في غير تلك الكتب, قال ابن حجر في مقدمة التهذيب: إن الشيخ رحمه الله قصد استيعاب شيوخ صاحب الترجمة, واستيعاب الرواة عنه, وحصل من ذلك على الأكثر, لكنه شيء لا سبيل إلى استيعابه ولا حصره, وسببه انتشار الروايات وكثرتها وتشعبها وسعتها) أي في كتب أخرى لم يلتزمها الشيخ رحمه الله. وبهذا يظهر أن ابن الأزرق حجر واسعا لضيق في تفكيره والله المستعان.
وأما أن غالبهم ممن أدركوا عمر, فيكفي أنك قلت: غالبهم لا كلهم, فيبقى احتمال أنه سمعه ممن لم يدرك عمر, والاحتمال يسقط الاستدلال.
وأما أن الغالب أنه سمع القصة منهم فلا سبيل له إلى إثباته إلى المشاغبة والسفسطة. فمن أدراك أنه لم يسمعه من غير الصحابة, ودونك ذلك لو تستطيع.
وأما أن محاربا كان قاضيا فهو ملم بأخبار القضاة, فقول يضحك الثكلى, , فإن من كان عنده عقل فسيعلم أن اطلاع محارب على أخبار القضاة لا يكون إلا بسماعها من رواتها, وهنالك وقف حمير ابن الأزرق, إذ لم يقدر على بيان صاحب القصة عن عمر.
وأما أن بعض الأئمة نص على شهرة القصة, فالكل يعلم أن شهرة قصة ما لا تدل على صحتها, بله جواز الاحتجاج بها, ولو لاحظ القارئ الكريم قول ابن عبد البر: (يقال) لعلم أنه يشير إلى عدم ثبوتها عنده والله أعلم, كما هو المعلوم من صيغ التمريض.
وأما القرينة الخامسة فلا حاجة تدعو لردها لأني وجدتها لا تزن شيئا.
الشاهد التاسع: عمر يخرج كنزا من بيت المال
ذكر قصة رواها الطبري في التاريخ وأبو الشيخ في طبقات المحدثين وأوردها ابن حبان في الثقات والحكيم الترمذي في نوادر الأصول.
¥