تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال (60): "نعود الآن إلى مثال الفاعل المستتر، حيث الجملة (ذَهَب بالخير كلّه) فنجد أنّ الفعل (ذهب) ماض فاعله ضمير مستتر جوازاً تقديره (هو)، ونسأل: لماذا لا يكون الفاعل (الجيش) مثلاً أو (الجراد) أو (اللصوص) فيكون التأويل: ذهب اللصوص بالخير كلّه، وعليه فالضمير (هم) يعود أو ينوب عن اللصوص عوضاً عن ضميرنا الوهمي (هي) ". وهذا الكلام عبثٌ يقوم على المغالطة، وأوّل العبث هو المثال الذي ساقه، فمعرفة فاعل (ذهب) في نحو هذه العبارة المقتطعة من سياقها ضربٌ من التنجيم، إذ لا بد أن يتقدّم هذه الجملة اسمٌ يكون مرجعاً للضمير الذي يتحملّه الفعل، وهذا الضمير هو الفاعل سواءٌ أكان متصلاً أم مستتراً، وإلاّ فسيكون الفاعل اسماً ظاهراً مسنداً إلى الفعل واقعاً بعده، كأن نقول: ذهب اللصوص بالخير كله.

فإذا تقرّر هذا نقول:

القاعدة العامّة أنّه إذا كان الاسم المتقدّم جمعاً فإن الضمير العائد عليه يكون متصلاً موضوعاً للجمع، جرياً على قاعدة المطابقة بين الضمير ومرجعه، ولو أنّ المؤلف مثّل لمرجع الضمير بجمع مذكر سالم لا نكشف أمره منذ البداية، لأنّ الضمير العائد ههنا لا يكون إلاّ واو الجماعة، نحو (المدرّسون وصلوا) ولا يقال (وصل) على توهم أنّ الفاعل ضمير مستتر تقديره هم إلاّ في مخيّلته.

لكنّ الذي فعله، وهو قاصدٌ لذلك، أنّه ساق ثلاثة ألفاظ (الجيش، الجراد، اللصوص)، وهي على الترتيب: اسم جمع، اسم جنس، جمع تكسير، وما كانت هذه صفته فإنّ الضمير العائد عليها له صورتان: أن يكون مجموعاً، حملاً على معناها الذي يدل على الجمع، وأن يكون مفرداً، حملاً على لفظها الذي خالف بناء جمع الصحيح، وهو في هذه الحالة الثانية كثيراً ما يكون مفرداً مؤنثاً، وقديماً قال النحاة: كلُّ جمعٍ مؤنثٌ.

فمن أمثلة اسم الجمع قولنا: الركب ارتحلوا، ويجوز: الركب ارتحل.

ومن أمثلة اسم الجنس: العرب انتصروا، ويجوز: العرب انتصرت.

ومن أمثلة جمع التكسير: الرجال جاؤوا، ويجوز: الرجال جاءت.

وهذه الأمثلة تظهر بما لا يدع مجاناً للشك أنّ الضمير العائد حين يراعى في مرجعه معنى الجمع لا يكون إلاّ متصلاً مجموعاً، أما إذا كان مفرداً فلا يكون إلاّ مستتراً يقدّر بـ هو أو هي، ولا يجوز بأيّة حال أن يكون تقديره (هم)، لأن مرجع الضمير عند إفراد عائده يعامل معاملة المفرد، ومثل ذلك قولنا (النساء قامت) فنضمر الفاعل في قام ونقدّره بـ هي، بدليل تاء التأنيث اللاحقة للفعل، فإنها تدلُّ على المفرد المؤنث، ولو كان الضمير مقدّراً بـ هنَّ كما يقتضيه قياس كلام المؤلّف في تقدير (هم) لما لزمت الفعل هذه التاء، ولا ندري لو سقطت إلام ستؤول العبارة وكيف سيتأتّى تقدير ضمير الجمع (هنّ) بعد الفعل.

الخاتمة:

كشفت هذه النظرات على نحوٍ لا يقبل التأويل، أنّ غاية هذا الكتاب الذي سمّاه صاحبه "جناية سيبويه" هي الدعوة، بلا مواربة، إلى اطّراح العربيّة الفصحى، وهَدْم أسوارها، بدعوى أنّ هذه اللغة لا تواكب العصر، وأنّ قواعدها تحول دون تعلّمها وانتشارها، ناهيك عن أنها ليست من صنع العرب أصلاً.

وما دعا إليه المؤلف من إحلال العاميّات محلّ الفصحى ليس بالجديد، ولذا فلن يكون مستغرباً أن تقع عيناه على عاميّة الأفلام المصريّة القديمة بديلاً للعربية الفصحى لغة الأدب والعلوم والمعارف.

وأظهر البحث أيضاً أن هذا الكتاب لم ينبنِ أصلاً على نقد القوانين التي أقيمت عليها قواعد العربيَّة، ولم يلتفت إلى مناهج النحويين في بناء هذه القواعد، بل تعلَّق ببعض مصطلحات الإعراب، وبشيء ممّا اشتملت عليه المختصرات التعليميّة المعاصرة، ولا سيّما المدرسيّ منها، وما سوى ذلك فالمؤلف لم يطّلع على كتاب سيبويه، وهو الجاني عنده، بل إنّ في كلامه ما يكشف عن جهله بمضمونه! وأغلب الظن أيضاً أنّه لم يقرأ مصنّفاً واحداً في النحو، ولم يجاوز مقدّمات بعض الكتب في أحسن الأحوال، ولذا جاء فهمه للمسائل التي عرض لها قاصراً مشوّهاً، ولن يكون مستغرباً إذا تبيّن لنا بعد ذلك أنّ الرجل ليس من أهل العربيّة أصلاً، لما يلمسه القارئ من ضعف في تمثّله العربية وطرائق تعبيرها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير