تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عبد الرشيد الهلالي]ــــــــ[25 - 05 - 08, 10:30 م]ـ

سلمك الله. الدكتور عبد المالك يتحدث هنا عن الامثال و تركيبتها اللغوية، و حديثنا هنا إنما هو عن لفظة"وعلى كل حال هذا رأي نقلته ولاأذكر اين قرأته والخطب فيه يسير وجزاك الله خيرا على تفاعلك.

ـ[أم هالة]ــــــــ[18 - 06 - 08, 12:25 ص]ـ

و في قوله (يرضع اللبة) إفراط في الوصف و هو ما يسميه أهل البيان بالمبالغة و إنما قلت مبالغة لأنها عبارة الأكثرين و إني امرؤ هيَّاب لمذاهب الجمهور و يمكن أن نسميه إغراقا على مسلك بعض الحذَّاق من البيانين كالإمام ابن حِجة الحموي و الإغراق عندهم هو منزلة فوق المبالغة و دون الغلو، و ذلك لأن المبالغة عندهم هي الإفراط في وصف الشيء بالممكن القريب و قد سمى ابن المعتز المبالغة بالإفراط في الصفة و تسميته أولى إلاَّ أنهم اختاروا تسمية غيره لخفتها، و أما الإغراق فهو وصف الشيء بالممكن البعيد وقوعه و قد جعلوا منه قول امرىء القيس:

تَنَورتُها من أَذرِعَاتٍ و أهلُها ......... بيثربَ أدنى دَارها نَظرٌ عالي

و إنما كان إغراقا لأنه يمتنع في العادة أن يُرى الشيء من هذا البعد فإن أذرعات بالشام و يثرب هي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم و لك يكن غلوًّا لجوازه في العقل، فإن العقل لا يمنع أن تُرى النار من هذه المسافة و هذا إن أبقينا قوله (تنورتها) على الحقيقة،و أما إن جعلناه بمعنى توهمت فليس هو مما نحن فيه و منه قول أبي الطيب:

كفى بجسمي نُحولا أنني رجل ........ لولا مُخاطبتي إياك لم يَبِنِ

و عليه يجري قول حكيمنا: (يرضع اللبة) فإنه لا ريب أن ذلك ممتنع في العادة لما بين الإنسان و السباع من العداوة فلو قرب إنسان لبؤة لوثبت عليه بل لو بَصرت به من بعيد لطلبته لأحشائها فكيف يتم له أن يكون رضيعا بين براثنها و قد سلت به عن أشبالها؟ و إنما فهمنا أن هذه اللبؤة المذكورة في الحكمة ذات أشبال من قوله (يرضع) إذ لا تدر لبنا في العادة إلا إذا أطفلت و اللبؤة إذا كانت مطفلا اشتد فتكها.

و جاء بالمضارع لأنه يدل على تجدد الأفعال فدل على أن ذلك يتأتى له كل حين و ذلك لفرط محبتها له، و ما كان له ذلك إلا لفرط حلاوة كلامه و لا أدري ويل أمّه ماذا قال لها في ذلك الموطن الذي يصدق عليه قول طرفة:

على موطنٍ يَخشى الفتى عنده الردى ... متى تعترك فيه الفرائص تُرعِدِ

فلعله قال لها بعد أن حلف لها حلفة فاجر: ما رأيت أجمل منك أو لعله قال لها: إن أبا الأشبال أخبرني أنه حرم من سواك و آلى أن لا يفجعك بضرة، فلما أدخل عليها المسرة أمنَّته من كل مضرة، و نسيت بذلك طبيعتها و عداوتها للإنسان و مثل هذا الكلام يمّكن لصاحبه عند كل ذات بعل، و كم كلمة خلصت صاحبها من مهلكة يَعسر الخلاص منها فصدر بها عن موارد الردى.

و كأن قول حكيمنا ينظر إلى قول حكيم أهل الجاهلية زهير بن أبي سُلمى:

و من لا يُصانع في أمورٍ كثيرة ... يُضرَّس بأنيابٍ و يُوطأ بِمَنسمِ

و لو ألقيت هذه الحكمة في روع زهير لسلكها بسمط قريضه و لجعلها من در معلقته، و كأني به يقرع بها مسامع عبس و ذبيان إذ غدا يرأب ما أفسدته أم قشعم يقول:

و من لا يُصانع في أمورٍ كثيرة ... يُضرَّس بأنيابٍ و يُوطأ بِمَنسمِ

لِسان الفَتى يغدو رضيعا للبئةٍ .... إذا ما حَلا يوما بِنُطقٍ مُرخَّمِ

و إنه لما سرت بنا سارية الخواطر في أودية الخيال اطَّلعنا على نوادي الرُّجز فإذا إخوان الأراجيز يختصمون في حكمتنا كل يدعي سبقا و كأني بالعجاج رافعا عقيرته يقول:

قد كنت أَحجُو إذ غَدوتُ أَكرَعُ .... في كل معنى بالقريضِ يَنبعُ

أو أنني حين عَدوتُ أسجعُ .... بكل لفظٍ في الكلامِ يلمعُ

أني لكل حكمة أُجَمِّعُ ... في رجز نظامه مُرصعُ

حتى أتى الجزائريُّ المُبدعُ ... بحكمة جهلتُها فلتسمعوا

إن اللسان إذْ حَلا ليَرضَعُ .... من لَبةٍ لبانها فيشبع

ثم تعالت الأراجيز و اختلطت القوافي و اشتد اللجاج بين يدي العجاج فثنيت راحلتي و عدت إلى أرض الحقيقة لئلا يأخذني ما أخذ أبا العلاء، و من خاض لجج الأدب ترامت به أمواج الخيال، و أَخلِق بحكمتنا أن تختصم فيها الشعراء و لقد كان من سلامة ذوق صاحبها أنه لم يتكلف لها سجعا و ما كا ذلك ليعجزه، و إنما ارتجلها كيفما اتفق و لعله كان في مقام يضيق عن التفكر في الأسجاع و لو فعل لفات محلها أو أنه أعرض عن ذلك لعلمه بأن السجع لم يكن محمودا في كل موطن و إنما يحمد منه ما جاء طوعا و كأنه لم يخلق إلا لذلك الموضع، و لقد كَلِفَ كثير من الخطباء و الكتاب بالسجع فحشروا الألفاظ في محشر الأسجاع و لسان حالهم يقول:

نحن في الأسجاع ندعو الجَفلى ... لا ترى السَّاجع فينا يَنتقِر

و ساقوا نوافرها شر مساق فتأتي مكبكبة ملتوية الأعناق قد أنهكتها المجاشم و القُحم كما أنهكت الخطيب المعاني الذي شغلته الألفاظ عن المعاني ثم بعد ذلك يصك بجنادل سجعه المسامع و يحسب أنه قد جاء بألوان من البديع، و إنَّ هذا ليذكرني خطبة عيد شهدتها قديما التزم فيها خطيبها ما لا يلزم و تكلَّف ما لم يكلّف و جاء بسجع على حرف الراء إلى خاتمة الخطبة و قد ذهب به التكلف كل مذهب فاجتمعت الألفاظ على وحشة بينها كل لفظ ينطح جاره و لا يطيق جواره فكانت عناية خطيبنا بحرف الراء أكثر من عنايته بوعظ الناي في ذلك اليوم المشهود.

يتبع ...

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير