[مرثية مالك بن الريب التيمي]
ـ[عبد الحفيظ المقري]ــــــــ[20 - 08 - 09, 12:34 م]ـ
أَلاَ لَيْتَ شِعري هَلْ أبيتَنّ ليلةً * * * بجَنبِ الغَضَا، أُزجي القِلاص النّواجِيا
فَلَيتَ الغَضَا لم يقطَعِ الركبُ عَرضَهُ * * * وليتَ الغَضَا مَاشىَ الركابَ لَياليِا
لقد كان في أهل الغضا، لو دنا الغضا * * * مزارٌ، ولكنّ الغضا ليْسَ دانيا
أَلمْ تَرَني بِعتُ الضّلالةَ بالهُدى * * * وَأَصْبَحْتُ في جيشِ ابنِ عفّان غازيا
دَعاني الهَوى من أهل وُدّي وصُحبتي * * * بِذِي الطَّبَسَين، فالتفتُّ وَرَائِيا
أَجَبْتُ الهَوَى لَمّا دَعَاني بِزَفْرَةٍ * * * تَقَنّعْتُ مِنْهَا، أن أُلامَ، ردائيا
لَعَمْري لئن غالتْ خُراسانُ هامَتي * * * لقد كُنْتُ عن بابَيْ خراسان نائيا
فللّه درّي يَوْمَ أَتْرُكُ طائعاً * * * بَنيَّ بأَعْلى الرّقمَتَيْنِ، وماليا
ودَرُّ الظّباءِ السّانِحاتِ عَشِيّةً * * * يُخَبّرْنَ أني هالِكٌ مِن وَرَائِيا
وَدَرُّ كَبيرَيَّ اللّذين كِلاهُمَا * * * عَليّ شَفيقٌ، ناصِحٌ، قد نَهانِيا
وَدرُّ الهَوَى من حَيْثُ يدعو صِحَابَهُ * * * وَدَرُّ لَجاجاتي، ودَرُّ انتِهائيا
تَذَكّرْتُ من يَبْكي عليّ، فلمْ أَجِدْ * * * سِوَى السَيْفِ والرّمحِ الرُّدَينيِّ باكيا
وَأَشْقَرَ خِنْذِيذٍ يَجُرّ عِنَانَهُ * * * إلى الماء، لم يتْرُكْ لَهُ الدهْرُ ساقيا
ولَكِنْ بِأَطْرَافِ السُّمَيْنَة نِسْوَةٌ * * * عَزيزٌ عَلَيْهِنّ العشيّةَ ما بيا
صَرِيعٌ على أيْدِي الرّجَالِ بِقَفْرَةٍ * * * يُسَوُّوْنَ قَبْري، حَيْثُ حُمَّ قضائيا
وَلَمّا تَرَاءَتْ عِنْدَ مَرْوٍ مَنيّتي * * * وَحَلَّ بِهَا جِسْمي، وَحَانَتْ وَفَاتِيا
أَقولُ لأصْحابي ارْفعوني لأنّني * * * يَقِرّ بِعَيْني أن سهَيلٌ بَدَا لِيا
فيا صاحبَي رحلي! دنا المَوْتُ، فَانزلا * * * بِرابِيَةٍ، إنّي مُقِيمٌ لَياليِا
أَقيما عليّ اليَوْمَ، أو بَعْضَ ليلةٍ * * * ولا تُعْجِلاني قد تبيّنَ ما بِيا
وَقُوما، إذا ما استُلّ روحي، فهيِّّئا * * * ليَ القبرَ والأكفانَ، ثُمّ ابكيا ليا
وخُطّا بأطْرَافِ الأسِنّةِ مضجعي * * * ورُدّا على عَيْنَيَّ فضلَ ردائيا
ولا تحسُداني، باركَ اللَّهُ فيكما * * * من الأرْضِ ذَاتِ العَرضِ أن توسِعا ليا
خُذَاني، فجُرّاني بِبُرديْ إليكما * * * فقد كُنْتُ، قبل اليوم، صَعباً قِياديا
فقد كنتُ عطَّافاً، إذا الخيلُ أدْبَرَتْ * * * سَريعاً لدى الهَيْجا، إلى مَن دعانِيا
وقد كُنْتُ محموداً لدى الزّاد والقِرَى * * * وعنْ شَتْمِ إبنِ العَمّ وَالجارِ وانِيا
وَقد كُنْتُ صَبّاراً على القِرْن في الوَغى * * * ثَقِيلاً على الأعداء، عَضْباً لسانيا
وَطَوْراً تراني في ظِلالٍ وَمَجْمعٍ * * * وَطَوْراً تَراني، والعِتَاقُ ركابيا
وَقُوما على بِئْرِ الشُّبَيكِ، فأسمِعا * * * بها الوَحْشَ والبِيضَ الحسانَ الروانيا
بِأَنَّكُما خَلَّفْتُمَاني بِقَفْرَةٍ * * * تُهيلُ عليّ الرّيحُ فيها السَّوافيا
ولا تَنْسَيا عَهْدي، خَليليّ، إنّني * * * تقطَّع وصالي وَتَبْلى عِظامِيَا
فلنْ يَعَْدم الوالون بيتاً يَجُنُّني * * * وَلَنْ يَعْدَمَ الميراثَ منّي الموالِيا
يقولون:لا تَبعُدْ، وهُم يدفِنونني * * * وأيْنَ مَكانُ البُعْدِ إلاّ مَكانِيا؟
غَدَاةَ غَدٍ، يا لَهْفَ نَفْسي على غدٍ ٍ* * * إذا أَدْلجوا عني، وخُلّفتُ ثاويا
وَأَصْبَحَ مالي، من طَريفٍ، وتالدٍ * * * لِغَيْري وكان المالُ بالأمسِ ماليا
فيا ليْتَ شعري، هل تغيّرَتِ الرَّحى * * * رحى الحْرب، أو أضْحت بفَلج كماهيا
إذا القْومُ حلّوها جميعاً، وأَنْزَلوا * * * لها بَقراً حُمَّ العيونِ، سواجِيا
وَعِينٌ وَقَدْ كان الظّلامُ يَجُنّها * * * يَسُفْنَ الخُزامي نَورَها والأقاحيا
وَهَلْ تَرَكَ العيسُ المَرَاقيلُ بالضّحى * * * تَعَالِيَهَا تَعلو المُتونَ القَياقيا
إذا عَصِبَ الرُّكْبَانُ بَيْنَ عُنيزةٍ * * * وبُولانَ، عاجُوا المُنْقِياتِ المَهَاريا
ويا لَيْتَ شعري هل بَكَتْ أُمُّ مالكٍ * * * كما كُنْتُ لَوْ عَالَوا نَعِيَّكَ باكيا
إذا مُتُّ فاعْتَادي القُبُورَ، وسلّمي * * * على الرَّيمِ، أُسقيتِ الغَمامَ الغَواديا
تَرَيْ جَدَثاً قد جَرّتِ الرّيحُ فوقَه * * * غُباراً كلونِ القسْطَلانيّ هَابِيا
رَهِينة أَحْجَارٍ وتُرْبٍ تَضَمّنَتْ * * * قَرارَتُها منّي العِظَامَ البَوالِيا
فيا راكِباً إمّا عَرَضتَ فبلّغَنْ * * * بني مالكٍ والرَّيْبِ أنْ لا تلاقِيا
وَبَلّغ أخي عِمران بُردي وَمِئزَري * * * وبلّغ عَجُوزي اليومَ أن لا تدانيا
وَسَلّمْ على شيخيّ مِنيّ كِلَيْهِما * * * وبلِّغ كَثيراً وابْنَ عمّي وخَاليا
وعطِّل قَلوصي في الرِّكاب، فإنّها * * * ستُبرِدُ أكباداً وتُبكي بَواكِيا
أُقَلِّبُ طَرْفي فَوْقَ رَحْلي، فلا أرَى * * * بِهِ من عُيُونِ المُؤْنِساتِ مراعِيا
وبالرَّملِ منّي نِسْوَةٌ لو شَهِدنَني * * * بَكَيْنَ وَفَدّيْنَ الطّبيبَ المُداويا
فمِنْهُنّ أُمّي، وابْنتاها، وخالتي * * * وباكِيَةٌ أُخرى تَهِيجُ البَواكِيا
وما كانَ عَهْدُ الرّمْل منّي وأهلِه * * * ذميما ً، ولا بالرّمْل ودّعْتُ قَاليا
جمهرة أشعار العرب – لأبي زيد القرشي (1/ 76)
¥