[كبوة " سيبويه"!]
ـ[عمرو الأمير]ــــــــ[14 - 10 - 09, 09:55 م]ـ
بقلم د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
ليسمح لي الأستاذ شريف الشوباشي -الذي أكن له كل تقدير لدماثة خلقه من تعاملاتي معه كفنانة تشكيلية- أن أوضح عدة نقاط أساسية حول كتابه الجديد، من خلال تجربتي مع ترجمة معاني القرآن الكريم بالفرنسية، ومن خلال متابعتي لموقف الغرب من الإسلام الذي أفردت له أكثر من عشرة مؤلفات ..
وإن كان المثل يقول إن لكل حصان كبوة، فمن المؤسف أن نبدأ بقول إن كبوة المطالبة بسقوط سيبويه هي كبوة فادحة، أو إن شئنا الحق فإنها ضربة ناسفة لثوابت الأمة العربية ووجودها! ولا أفهم كيف لم يدرك الأستاذ شوباشي -مع اتساع ثقافته- أن الكتاب برمته يندرج تحت منظومة "اقتلاع الإسلام" التي حددوا لها هذا العقد الأول من الألفية الثالثة لإتمامها، فقد أطلقوا عليه عقد "اقتلاع الشر" الذي هو الإسلام في نظرهم .. وأن الكتاب تكرار ممجوج لمطالب المستشرقين لاقتلاع لغة القرآن، ويزخر بالعديد من التناقضات والمعلومات المبتورة التي تؤدي إلى عرض غير موضوعي للقضية التي هي هنا: حال اللغة العربية وما آلت إليه ..
من المعروف أن اللغة العربية من اللغات السامية، وأنها تختلف عن اللغات اللاتينية، وأنها تنعم بمرونة فائقة وذلك لأنها تتضمن إمكانية شاسعة للاشتقاقات. والفرق بين الاصطلاح العربي وأي اصطلاح غربي يكمن في تلك الإمكانية الشاسعة للغة العربية، فالجذر عادة ما يعطي قرابة 80 اشتقاقا وأحيانا يصل إلى 220 أو أكثر! كما أن اللغة العربية تتضمن إضافة إلى ذلك سهولة كبرى في صيغ النحو ومرونة متناهية في القواعد، ترجع إلى نظام خاص لجذور الأفعال ومرونتها، وتنوع لاشتقاقات متعددة، الأمر الذي يسمح بثراء لا مثيل له في المفردات، وبرهافة موضوعية في الفوارق التي لا يمكن ترجمتها الترجمة الدقيقة إلا باللجوء إلى اشتقاق كلمات جديدة في اللغة المترجم إليها.
إن جذور اللغة العربية وهيكل الاشتقاق منها ثرية بصورة كاملة وتامة، حتى أن الجذر الواحد يشتق من مصدره: اسم المصدر والفعل بصيغه المختلفة ودلالات كل صيغة واسم الفاعل والمفعول والصفة الشبيهة .. إلى آخر ما هنالك من تصريف تجعل اللغة العربية تعلو ولا يعلو عليها.
كما يجب أن نأخذ في الاعتبار أن كل واحد من هذه الاشتقاقات يتضمن اختلافا في المعنى أو في الدرجة، وليست مجرد مزايدة في عدد المترادفات .. الأمر الذي يوضح مدى اتساع اللغة العربية ومرونتها ودقتها من جهة، وأهمية مراعاة التشكيل من جهة أخرى، حتى تكون الترجمة دقيقة ولا تخل بالمعنى. فلا يعقل أن نرمي بكل هذا الثراء اللغوي لمجرد محاكاة الغرب أو الانصياع لأوامره!
وكم كانت فجيعتي عندما صدمت بالفرق الشاسع بين اختلاف وعاء اللغتين (العربية والفرنسية)، إذ إن مميزات اللغة العربية تسمح لها بأن تكون أكثر اتساعا بعشرات المرات من اللغة الفرنسية. بل وكم كانت دهشتي عندما صدمت بأن اللغة الفرنسية كثيرا ما لا نجد بها صيغة الفعل، أو الصفة، أو أنها لا تعرف المثنى ولا المؤنث لبعض صيغ التصريف كفعل الأمر وغيرها، وكلها من أساسيات اللغة!
إن اللغة العربية تمتلك العديد من المصطلحات لتحديد الفرق الدقيق بين الحالات المختلفة التي لا مقابل لها في اللغات الأخرى خاصة الفرنسية، الأمر الذي يضع المترجم أمام ثلاثة اختيارات: ترجمة الكلمة بتركيبة تعبيرية أو بجملة تفسيرية، أو الكتابة الصوتية للكلمة، أو البحث عن اشتقاق جديد. والاشتقاق الجديد يمثل بالفعل إحدى المشكلات الكبرى في مجال الترجمة. ومن المعروف أنه لتلافي هذا النقص الشديد للمفردات في اللغة الفرنسية فإنه يتم رسميا اشتقاق حوالي ألفي مصطلح كل عام. وإن دل هذا الجهد الوطني على شيء فإنما يدل على مدى اهتمام أصحاب اللغة الفرنسية بترسيخها وزيادة مفرداتها لجعلها تواكب التقدم العلمي، وليس تقويضها بزعم تبسيطها ..
ولا أخال الأستاذ شوباشي يجهل المعارك التي يقودها علماء اللغة في فرنسا للحفاظ على لغتهم وحمايتها من أي تدخلات لكلمات أجنبية، وكم يحاربون إقحام بعض العبارات التي تتسلل عبر ممارسات الحياة اليومية ومختلف وسائل الإعلام.
¥