تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

["إمام" فعال بمعنى الفاعل على الصحيح، خلافا للجوهري.]

ـ[أبو إسحاق السندي]ــــــــ[05 - 11 - 09, 10:13 م]ـ

قال الجوهري في (الصحاح) أثناء كلامه على اشتقاق لفظ الجلالة: ((وأَصلُه إلاهٌ كفِعالٍ بمعنَى مَأْلُوهٍ، لأنَّه مَأْلُوهٌ أَي مَعبودٌ، كقَولِنا: "إمامٌ" فِعَال بمعنَى مَفْعولٍ لأنَّه مُؤْتَمٌّ به)). وقد نقله صاحب اللسان مُقرّا له، وكذا صاحب تاج العروس.

قلتُ: قولهم: (إمام، فعال بمعنى مفعول لأنه مؤتمٌّ به)، خطأٌ. والصواب أن الإمام فِعَال بمعنى اسم الفاعل، يدلّ على ذلك أمور:

1. الإمام هو الذي يَؤُمُّ الناس، أي يقوم بإمامة الناس، أي أنه فاعل للإمامة.

2. أن لفظة «الإمام» تقابلها لفظة «المأموم». ومن الواضح جدّا أن المأموم اسم مفعول، وبالتالي يكون ما يُقابله اسم فاعل، إذ لا يُعقل أن يكون الإمام والمأموم كلاهما بمعنى اسم المفعول!

3. قولهم: ( ... لأنه مُؤتمٌّ به) يدّل على بطلان ما ذهبوا إليه. ذلك أن (مُؤتمّ) مشتق من (ائتَمّ يأتمَّ)، وهو فعل مُطاوِع لفعل (أَمَّ يَؤُمُّ) الذي اشتق منه (إمام). ومعلوم أن الفعل المُطاوع يجعل المفعول فاعلا، والفاعل مفعولا. مثال ذلك قولك: (جمعتُ المالَ، فاجتمع المالُ)، فلفظة (المال) يقع مفعولا لـ (جَمَعَ)، أي أنه (مجموع)، في حين أنه يكون فاعلاً للفعل المطاوع: (اجتمع)، فهو (مُجتمِع). وكذا الأمر هنا، تقول: (أَمَّ الإمامُ الناسَ، فائتمَّ به الناسُ)، فيكون الإمام فاعلا لـ (أَمَّ)، في حين أنه مفعول لـ (ائتَمَّ) بواسطة حرف الجر.

هذا ما تبيّن لي، والله تعالى أعلم بالصواب.

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[06 - 11 - 09, 07:38 م]ـ

وفقك الله وسدد خطاك أيها الشيخ الفاضل

وأرجو أن تقبل مني هذه التعقيبات بصدر رحب:

أولا: أوهم كلامك أن الجوهري تفرد بذلك، وأن صاحب اللسان وصاحب التاج تبعاه في هذا الوهم، وهذا غير صحيح، فإن هذا القول معروف عن جمع كثير جدا من أهل العلم، من أقدمهم الفراء وابن قتيبة.

ثانيا: وزن (فِعال) ورد كثيرا في كلام العرب بمعنى (مفعول) مثل كتاب وبساط وفراش ومهاد وغراس، ونص العلماء على أن نظائره كثيرة، أما استعمال وزن (فعال) بمعنى (فاعل) فلا يكاد يوجد في كلام العرب، وحتى إن وجد فهو من القليل النادر الذي لا ينبغي الحمل عليه.

ثالثا: ذكرت ثلاثة أدلة على كلامك، وعند التدقيق يظهر أنها لا تدل على المطلوب، وإنما هي مصادرة:

- فقولك: (الإمام هو الذي يؤم الناس .. إلخ) هو عين الدعوى التي وقع فيها البحث، وهي مقابلة بنقيضها، فهم يقولون: (الإمام هو الذي يؤمه الناس).

- وقولك: (لفظة الإمام تقابلها لفظة المأموم) دعوى مجردة لا برهان عليها، وهي مقابلة بنقيضها، فهم يقولون: (لفظة الإمام معناها مأموم) مثل كتاب ومكتوب وبساط ومبسوط وغير ذلك، ونحن نعلم أن قول القائل: (لفظة كتاب تقابلها لفظة مكتوب) باطل، فما الفرق بين قولك وقوله؟

- وقولك: (ائتم مطاوع أم) أيضا مجرد دعوى، فجماهير أهل اللغة ذكروا أن (ائتم) و (أم) سواء في المعنى من باب اتحاد الأوزان وهو كثير في كلام العرب، فهل تعرف أحدا من علماء اللغة ذكر أن (ائتم) مطاوع (أم)؟ وحتى لو فرض وجود مثل هذا فهو لا يقدح في القول الآخر الذي نقله جمهور أهل اللغة عن العرب.

رابعا: قولك: (لا يعقل أن يكون الإمام والمأموم كلاهما بمعنى اسم المفعول) غريب جدا، فإن كون الشيء لا يعقل أعلى رتبة من كونه لا يصح، فحتى إن تنزلنا ووافقناك على أنه بمعنى اسم الفاعل، فهذا لا يعني أنه لا يعقل، بل هو من المعقول أو مما لا ينفيه العقل على الأقل، هذا على التنزل، وإلا فهو القول الصحيح الذي عليه جمهور العلماء إن لم يكن عليه إجماعهم.

والذي يبدو لي أنك قلت هذا الكلام بناء على الشائع المستعمل عند الناس من مقابلة الإمام بالمأموم في الصلاة، وهذا لا يدل على المطلوب؛ لأن هذه مقابلة عرفية لا تقدح في الأصل اللغوي، وكثيرا ما تجد ذلك عند الفقهاء في اصطلاحاتهم، يفرقون بين ألفاظ متفقة لمجرد ضبط المسائل.

خامسا: حاولت أن أبحث عن سلف لك في هذا الكلام، فلم أجد أحدا قال بهذا الرأي، بل اتفقوا على أنه فعال بمعنى مفعول، وهناك رأي آخر أنه اسم آلة، وهو رأي شاذ، فهل وقفت على من تعقب أهل العلم في ذلك؟

سادسا: يظهر أن اعتراضك مبني على لفظ (الإمام) الذي يؤم الناس في الصلاة أو نحوه، وهذا إن سلمناه، فلا نسلم أن الجوهري يقصده أصلا، فما المانع أن يكون مقصوده بالإمام (الكتاب) كما في قوله تعالى: {وكل شيء أحصيناه في إمام مبين}، أو غير ذلك من معاني كلمة (إمام)؟

سابعا: لو فرضنا أن الإمام مشتق من أم يؤم بمعنى اسم الفاعل، فهذا لا يمنع جواز اشتقاقه من أم يؤم بمعنى اسم المفعول أيضا، فيكون فيه وجهان، فالمقصود أن ثبوت أحد الوجهين لا يلزم منه بطلان الآخر كما يوهمه كلامك.

ثامنا: يمكن أن يقال: إن العلماء استندوا إلى نص صريح يدل على ما ذهبوا إليه، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به) فهو واضح الدلالة في المقصود.

تاسعا: استعمال الفعل (أم) بمعنى فاعل الإمامة من الأفعال التي عرفت في الإسلام ولم تعهد في الجاهلية، والمشهور في اللغة هو (أم) بمعنى قصد، فتقول: أممته أي قصدته، وجعلته إمامي أي مقصدي، ولذلك تطلق العرب الإمام على ما لا إرادة له أصلا، كقولهم لخشبة البناء: إمام، وقولهم للطريق: إمام، ونحو ذلك، فالحمل على هذا المعنى أولى لقربه وشهرته.

عاشرا: كل ما سبق هو من باب المدارسة العلمية ومباحثة الفضلاء أمثالك، فأرجو أن لا يكون في صدرك شيء من كلامي.

ونسأل الله أن يستعملنا وإياكم في طاعته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير