تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الكلمات الفرنسية في الدارجة الجزائرية]

ـ[آل شطارة الجزائري]ــــــــ[07 - 10 - 09, 11:28 م]ـ

[الكلمات الفرنسية في الدارجة الجزائرية]

الحمد لله ربّ العالمين و الصّلاة و السّلام على أشرف الأنبياء و المرسلين و على آله و صحبه أجمعين و بعد:

لقد عاينَت الجزائر من قديم الزمان أصناف الاستعمار بجميع أشكاله الذي نصب شراكه على هذه البلاد الفتية لكثرة الخير فيها، ولكن الذي كان له المقت الأوفر والنصيب الأعور هو الاستدمار الفرنسي الذي بقي فيها قرابة قرن وثلاثين صيفا ابتداء من عام 1830م إلى عام 1962م.

حرص المعتدي الغاشم منذ دخوله الجزائر على قلب موازين حياة سكانها وأخضعهم جبرا لمخططاته التي بقيت رواسبها إلى اليوم، فبنى تحتية ثقافية وسياسية واقتصادية جر من ورائها الجزائريين إلى شراكه، ورسّخ في عقولهم أفكارا خبيثة ككون الجزائر جزء من فرنسا فأصدر في عام 1834م أمراً عاماً بتحويل الجزائر من أرض محتلّة إلى ملكية فرنسية، و بذل في سبيل ذلك كل وسعه في عملية منظمة لمسخ هويّة هذا الشعب العربي المسلم عن طريق " فَرْنَسَته " و تحويله إلى تابعٍ ذليلٍ للثقافة الفرنسية يدور في فلكها، و يقتات على الفتات المتساقط على موائد تلك الثقافة؛ فارتكب الفرنسيون " أبشع صور الإبادة، وتم لهم في النهاية إخضاع الشعب الجزائري، وبدأت مرحلة المسخ بعد مرحلة الإبادة، وخلال هذه المرحلة قام الفرنسيون بجهود جبارة لإعادة صياغة الشعب ثقافياً، وضُمّت الجزائر إلى فرنسا، فتم تشجيع الفرنسيين على الاستيطان في الجزائر، واستعمارها وسموا بالمعمرين، وأعطوا أحسن الأراضي، وتمتعوا بحقوق المواطنة من الدرجة الأولى أما الشعب فهو فرنسي من الدرجة الثانية، وتم فرض الخدمة العسكرية عليهم، ولكن لم يترقو في الرتب، أما سياسياً فقد نشأت فروع للأحزاب الفرنسية في الجزائر وكانت أقصى أماني الأحزاب الوطنية أن ينال مواطنو الجزائر حقوق الفرنسي" (1)

" لقد رأت فرنسا أن حضورها اللغوي والثقافي يضمن لها تلقائياً استمرار نفوذها السياسي والاقتصادي، ولذلك نجدها قد أسرعت إلى توجيه عقول الجزائريين عن طريق ترسيخ سياسة لغوية تعليمية قائمة على فرنسة الأجيال الصامدة، هدفها الأساسي القضاء على اللغة العربية باعتبارها لغة حضارة عريقة وتراثاً إنسانياً خالداً.

وهكذا تم تحويل الجزائر تدريجياً بفضل سياسة ازدواجية اللغة إلى جزائر فرنكوفونية بعدما حُرِم أبناؤه من الازدهار والنمو في إطار ثقافتهم العربية وهويتهم الإسلامية." (2)

ويكفي لمعرفة حالة التلف الذي توجد فيه لغة الجزائري أن يمد الواحد أذنه في أروقة المدارس والأماكن العامة، فمنذ حلول الاستعمار إلى يومنا هذا ولغة طلبة الجامعة أو التلاميذ في المدارس أو حتى العوام لا تخلو جملة يتلفظون بها من مفردتين فرنسيتين مكيَّفتين، هذا عن من يَدْرس بالعربية فماذا يقال عن الذين درسوا في المرابض الفرونكفونية؟

هذا الخليط اللساني العَقِم هو المؤثر الأساسي على ثقافة الجزائريين التي تتجلى في أيامنا هذا على ما نشاهده ونعيشه من تدهور أخلاقي وتقهقر واضح في ديانة الكثير ولا يخفى على العارف من ارتباط اللغة بالدين والثقافة، لا سيما إذا نشأ الرضيع منا وقد شرب من ثدي أم تتكلم بهذه الرطانة، حتى إذا كبر وعقل زج به في غيابات المدارس الفرنسية، فينشأ على حب الأغاني والرقص ويكبر على تلك الأفكار الهدامة ولسانه وقلبه يحمل لغة وعقيدة أعداء آبائه الأقدمين.

لعبت اللغة العربية دورا فعالا في بقاء المقاومة ضد المستدمر المستعمر، فسعت الجمعيات الإسلامية وعلى رأسها جمعية العلماء المسلمين منذ نشأتها على جعل هذا الموضوع أحد أركان عملها الجهادي، فحفزت على تكلم اللغة وأنشأت لها المدارس وأسست لها الجرائد بثا لهذا الأصل القومي، وقد اعترف المفكر الفرنسي جاك بيرك بكون اللغة أحد القوى في المقاومة قائلا:"إن أقوى القوى التي قاومت الاستعمار الفرنسي في المغرب هي اللغة العربية، بل اللغة العربية الكلاسيكية الفصحى بالذات، فهي التي حالت دون ذوبان المغرب في فرنسا، إن الكلاسيكية العربية هي التي بلورت الأصالة الجزائرية، وقد كانت هذه الكلاسيكية العربية عاملاً قوياً في بقاء الشعوب العربية" (3)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير