الْجَوَابُ: لا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ سَبَبًا وَاضِحًا، إِلا أَنِّي أَسْتَظْهِرُ أنَّ صُعُوبَةَ النُّطْقِ بِحَرْفِ الضَّادِ - لأنَّهُ أَصْعَبُ حُرُوفِ العَرَبِيَّةِ نُطْقًا كَمَا يَقُولُ عُلَمَاءُ الأَدَاءِ وَالتَّجْوِيدِ - هِيَ التِي كَانَ لَهَا العَامِلُ الأَكْبَرُ فِي انْتِشَارِه، وَنُفُوذِهِ إِلَى الكُتُبِ بِهَذِهِ الشُّهْرَة. فَإِذَا تَحَدَّثَ العُلَمَاءُ عَنِ الضَّادِ ذَكَرُوا الصُّعُوبَةَ فِي مَخْرَجِهِ وَأَدَاءِهِ كَمَا قَالَ الإمَامُ الدَّانِيُّ – رَحِمَهُ اللهُ -:
وَالضَّادُ تَنْفَرِدُ عَنْ سِوَاهَا** لِحَافَةِ اللِّسَانِ مِنْ أَقْصَاهَا
إلى الَّذِي يَلِي مِنَ الأَضْرَاسِ** وَقَلَّ مَنْ يُحْكِمُهَا فِي النَّاسِ [4] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn4)
وقالَ العَالِمُ الْمُتَفَنِّنُ أحمدُ السِيْلِيُّ الْمُلَقَّبُ بِذُوَيْب:
وَالضَّادُ مَخْرَجُهُ عَسِيْرٌ جِدَّا** مِنْ أُوْلِ إِحْدَى الْحَافَتَيْنِ يُبْدَا
مَعْ مَا يَلِي الأضْرَاسَ مُسْتَطِيْلُ** رِخْوٌ وَ مَنْ يَقْرَأْ كَذَا قَلِيلُ
قَارِئُهُ بِالصِّفَةِ الْمُقَرَّرَهْ** سُبْحَانَ مَنْ عَسَّرَهُ وَ يَسَّرَهْ [5] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn5)
وَقَالَ الْشَّيْخُ الْعَلامَةُ ابنُ الْجَزَرِيِّ – رَحِمَهُ اللهُ -: لَيْسَ مِنَ الْحُرُوفِ حَرْفٌ يَعْسُرُ عَلَى اللِّسَانِ غَيْرُهُ" [6] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn6). انْتِهَى
ولِلجَاحِظِ فِي "بَيَانِهِ" كَلامٌ حَسَنٌ مُفَصَّلٌ عَنْهُ فَانْظُرْهُ غَيرَ مَأْمُور (1/ 62).
زِدْ - عَلَى مَا مَضَى - حَدِيْثًا لا أَصْلَ لَهُ يُرْوَى فِي ذَلِكَ، وَهُوَ: (أَنَا أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِالضَّادِ بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْش)، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِمَّا لا تَنْهَضُ بِهِ - وَبِمِثْلِهِ - حُجَّة، وَلَو صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ دَلالَةٌ صَرِيْحَةٌ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ؛ لأنَّهُ قَدْ مَرَّ بِكَ أَنَّ نُطْقَ الضَّادِ عَسِيْرٌ جِدًّا، بَلْ هُوَ أَعْسَرُ الْحُرُوفِ نُطْقًا، فَهُوَ يُبَيِّنُ أنَّهُ أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِاللُّغَةِ التِي فِيهَا هَذَا الْحَرْفُ الْعَسِيْرُ نُطْقُهُ، وَكَأَنَّكَ تَلْمَسُ هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِ (أَمِيْرِ الْشُّعَرَاءِ):
يَا أَفْصَحَ النَّاطِقِيْنَ الضَّادَ قَاطِبَةً**** حَدِيْثُكَ الشَهْدُ عِنْدَ الذَّائِقِ الفَهِمِ
وَهَذَا احْتِمَالٌ مُسَاوٍ لاسْتِدْلالِهِمْ فِي أنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ تَفَرُّدُ اللُّغَةِ بِالضَّاد، وَإِنْ كَانَ الاحْتِمَالُ رَاجِحًا أَوْ مُسَاوِيًا سَقَطَ بِهِ الاسْتِدْلالُ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ الأُصُول، وَاللهُ أَعْلَم.
هَذَا، وَبَعْضُ النَّاطِقِينَ يَنْطِقُهَا كَالظَّاءِ الْمُشَالَةِ مُطْلَقًا. ذَكَرَهُ أبُو الْفَتْحِ ابنُ جِنِّي [7] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn7). فَلَعَلَّ هَذَا الْخَلْطَ فِي نُطْقِهَا - حَتَّى ظَنَّهَا بَعْضُهُم ظَاءًا مُشَالَةً مُطْلَقًا - مِنْ أَسْبَابِ فُشُوِّ هَذَا الرَأْي، وَقَدْ صُنِّفَتْ فِي هَذَا الْبَابِ مُصَنَّفَاتٌ، مِنْهَا: مَا لِلْقَاسِمِ ابْنِ عَبَّادٍ، ولابْنِ مَالِكٍ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْحَاذِقِيْن. وتُبْدَلُ الْضَّادُ مِنَ الَّلامِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ مَالِكٍ، وَمِنَ الْصَّادِ كَمَا نَقَلَ ابْنُ عُصْفُوْرٍ والْكِسَائِيُّ عَنِ الْعَرَبِ [8] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn8).
¥