تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كلامك حق ليس عليه غبار، ولا نختلف وإياك في أن المجاز لا يطال العقائد والمغيبات، إلا أنني أختلف معك فيما نقلته في آخر الكلام عن الإمام ابن رجب رحمه الله من أن غالب من تكلم بالمجاز هم المعتزلة، وأئمة أهل السنة يقلبون على هذا الكلام الحجة، فإننا نقول:

أولاً: بأنه لم يُعهد في عهد السلف من منع المجاز أصلاً، وقد كان إمام أهل السنة أحمد بن حنبل في عصر المعتزلة الغلاة، ولم نسمع منه عبارة تنكر المجاز، بل على العكس من هذا فقد وردت عنه عبارات تثبت المجاز، قالوا: بأنه أراد الجواز، ليت شعري هل أتوا على ذلك بمثال لكي نصدق تأويلهم لكلامه؟ بل وثبت عن غيره ممن لا يشك بإمامتهم كالبخاري في الصحيح وكتابه الفذ (خلق أفعال العباد) حيث قال فيه:

(وقال بعضهم إن أكثر مغاليط الناس من هذه الأوجه الذي لم يعرفوا المجاز من التحقيق ولا الفعل من المفعول ولا الوصف من الصفة ولم يعرفوا الكذب لم صار كذبا ولا الصدق لم صار صدقا)

وممن أثبته من علماء السنة: أبي عبيد القاسم بن سلام الهروي، وأبي عبيدة التميمي، وغيرهم كثير مما لا يحضرني ذكرهم، وكفانا بمذهب هؤلاء الأربعة مذهباً.

ثانياً: نقول بأن أول من نفى المجاز هو أبو إسحق الإسفراييني، أو أبو علي الفارسي على خلاف، فهل علمت من نفاه قبلهم من السلف؟

ثالثاً: لا نعلم من نفى المجاز من الأئمة القدماء المعتبرين غير من ذكرت، فكيف يكون غالب من تكلم في المجاز هم المعتزلة؟!!

رابعاً: لا يسلم قول من قال: بأن السلف لم يقولوا به، فالسلف لم تكن لديهم اصطلاحات تحدد مفاهيم العلوم، إنما كانت العلوم متأصلة في نفوسهم، فلو أننا جئنا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقلنا له: زيد فاعل، وعمرو مفعول به، لأقام علينا حد القذف، لا لخلافه معنا في نصب عمرو ورفع زيد، إنما لعدم تأصيل علم النحو في زمانهم رضي الله عنهم وأرضاهم، فلا يأتنا آت ويقول: من من السلف قال بأن هناك فاعل ومفعول!! وكذلك هنا، ولو سبرت شعر العرب لوجدته طافحاً بالمجاز، ولو سميته ما سميته، فالتسمية لا نختلف عليها، كما أننا لا نختلف على المضمون، فلذلك نقول:

بأن الذي يطلق المجاز ويريد به تأويل الصفة نحاجه بغير هذه الطريقة، فالقرآن حمال أوجه، والحديث في هذا يطول.

ويظهر لي بأن الخلاف لفظي ليس معنوي، فقد مثلتَ بقولك: رأيت أسداً يرمي، وقلت هو تشبيه ضمني، سمِّه بما شئت، فلا مشاحة في الاصطلاح، فأنا أسميه مجازاً، وأنت تسميه تشبيهاً، وغيرنا يسميه جوازاً، والنتيجة واحدة، لا نختلف أن المجاز لا يقع في المغيبات والعقائد، إلا أننا نثبت أنه واقع في كلام العرب بكثرة، وإلا فماذا نقول عن امرء القيس إذ يصف الليل فيقول:

فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف أعجازا وناء بكلكل

فهل لليل صلب وردف وأعجاز؟

أرجو ألا أكون قد زدت عليك في اللهجة، والعلم لا يزكو إلا بالمذاكرة، ولك جزيل الشكر على ما أفدتنا في هذا الجاوب.

ـ[أبو عبدالله ومحمد]ــــــــ[10 - 02 - 10, 09:57 ص]ـ

أخي أبا عبد الله:

كلامك حق ليس عليه غبار، ولا نختلف وإياك في أن المجاز لا يطال العقائد والمغيبات، إلا أنني أختلف معك فيما نقلته في آخر الكلام عن الإمام ابن رجب رحمه الله من أن غالب من تكلم بالمجاز هم المعتزلة

بارك الله فيك أخي أبا تميم , وفيما يتعلق بكلام ابن رجب رحمه الله , لعله كان يتكلم عن عصره.

والذين نفوا المجاز في اللغة مطلقاً لعلهم عملوا بحديث (ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه).

وقد كان إمام أهل السنة أحمد بن حنبل في عصر المعتزلة الغلاة، ولم نسمع منه عبارة تنكر المجاز، بل على العكس من هذا فقد وردت عنه عبارات تثبت المجاز

لا أعلم أخي عبارة وردت عن الإمام أحمد تثبت المجاز.

على أي حال أنا لا أنكر على من يقول بالمجاز إذا سلم اللفظ أو التعبير من محذور شرعي ولكني أتفق مع القائلين بالنفي خصوصاً وهناك مسالك لغوية أخرى , وذلك تحرزاً من الوقوع في الزلل بسبب المجاز وأيضاً خروجاً من الخلاف , وأشكرك على هذا النقاش الموضوعي الطيب وأتمنى لك ولجميع الإخوة والأخوات في المنتدى أن تكونوا على أحسن حال.

ـ[فريد البيدق]ــــــــ[10 - 02 - 10, 11:17 ص]ـ

الأخ الحبيب أبو عبدالله، والأخ الجليل أبا تميم- بوركتما، وجوزيتما خيرا على هذا الثراء!

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير