بأفعل انطق بعدما تعجب
أو جيء بأفعل قبل مجرور ببا
وتلو أفعل انصبنّه كما
أوفي خليلينا وأصدق بهما
أي إذا أردت التعجب حتى جيء بصيغة (افعل) بعد (ما) مفتوحا ثم افتح المتعجب منه أو جيء بصيغة أخرى وهي (أفعل به) وفي الباب قواعد وضوابط تؤخذ من مظانّها.
ومما رووه أيضا أن توجيه سيبويه إلى علم النحو هو لحنه الحديث.
ذكر السخاوي في (شرحه على ألفية العراقي في مصطلح الحديث) عن أبي سلمة حماد بن سلمة أنه قال لإنسان: (إن لحنت في حديثي فقد كذبت عليّ فإنّي لا ألحن، وصدق رحمه الله فإنه كان مقدما في ذلك بحيث أن سيبويه شكا غلى الخليل بن أحمد أنه سأله عن حديث هشام بن عروة عن أبيه في رجل رعف بضم العين – على لغة ضعيفة – فانتهره وقال له: أخطأت إنما هو رعف يعني بفتحها، فقال له الخليل: صدق، أتلقى بهذا الكلام أبا سلمة. وهو مما ذكر في سبب تعلم سيبويه العربية).
وقد توجه كثير من أهل العلم إلى تعلم علوم العربية بسبب لحنهم في الحديث كما وقع لثابت البناني حين سأله الحسن البصري في كلمة رعف فقال الحسن: أتعجز أن تقول رعف، فاستحى ثابت وطلي العربية حتى قيل له في انهماكه فيها: ثابت العربي.
فانظر وتأمل أخي القارئ الكريم كيف صار سيبويه بسبب لفظة لحن فيها في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إماما يحتذى به في هذا العلم الجليل، فهو صاحب (الكتاب) والذي غذتا أطلق لم يتبادر إلى الفهم غير كتابه، وقد هذ فيه علم النحو واستوفى قواعده وضوابطه وكل من جاء بعده فهم عيال عليه.
ومما ذكروه ايضا أن الإمام محمد بن إدريس الشافعي صاحب المذهب المشهور وواضع قواعد أصول الفقه لم يشتغل بدراسة العلم حتى جلس في قبيلة بني هذيل يحفظ أشعارهم ودواوينهم وقد وفق لحفظ أكثر من عشرين ألف بيت من أشعارهم؛ وقد قال الأصمعي: (صححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له: محمد بن إدريس الشافعي).
وذكر حافظ المغرب يوسف بن عبد الله ابن محمد بن عبد البر المالكي في (جامع بيان العلم وفضله): عن نافع عن ابن عمر أنه: (كان يضرب ولده على اللحن) °°
وقال الشعبي: (النحو في الكلام ملح في الطعام لا يستغنى عنه).
وأنشد الخليل بن احمد الفراهيدي:
أي شيء من اللباس ال
سر وأبهى من اللسان البهي
ينظم الحجّة الشّتيتة في السّل
ك من القول مثل عقد الهدي
وترى اللحن بالحسيب أخي الهي
ئة مثل الصّدي المشرفي
فاطلب النّحو للحجاج وللشّع
ر مقيما وللمسند المروي
والخطاب البليغ عند الجواب ال
قول يزهى بمثله في النّدي
وعن الربيع بن سليمان قال: سمعت محمد ابن إدريس الشافعي يقول: (من حفظ القرآن عظمت قيمته، ومن طلب الفقه نبل قدره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في النحو رق طبعه، ومن لم يصن نفسه لم يصنه العلم)
وقيل قديما: (المرء مخبوء تحت لسانه، والإنسان شطران لسان وجنان).
قال زهير بن أبي سلمى:
لسان الفتى نصف نصف ونصف فؤاده
فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
وقال شعبة: (تعلموا العربية فإنها تزيد في العقل).
وقال أحمد بن يحيى:
إما تريني وأثوابي مقارنة
ليست بخزّ ولا حرّ كتّان
فإن في المجد همّاتي وفي لغتي
علويّة ولساني غير لحّان
وقال بعضهم:
النحو يصلح من لسان الألكن
والمرء تكرمه إذا لم يلحن
وإذا طلبت من العلوم أجلّها
فأجلّها نفعا مقيم الألسن
ومما أملاه بعض شيوخنا:
قدم النحو على الفقه فقد
يبلغ النحوي بالنحو الشرف
أما ترى النحوي في مجلسه
كهلال بان من تحت الشغف
يخرج الألفاظ من فيه كما
يخرج الجوهر من بطن الصدف
أخي القاريء الكريم علمت من خلال ما عرضناه في هذا المقال الوجيز نقلا عن الأشياخ والأعلام أن اللغة العربية هي ركن هذا الدين الأصيل، وأساس بنيانه المتين فهي مجدنا الذي نرفع به رؤوسنا، وهي شرفنا الذي نرد به عزّنا وبها نفهم القرآن الكريم الذي أنزل بلسان عربي مبين، وبها نفهم سنة سيد الأنبياء وإمام المرسلين صلى الله عليه وسلم ,
وإني أختم كلامي هذا بتوجيه نداء خالص من هذه الواحة الغنّاء، والساحة الفيحاء من منبر مجلة (الإصلاح) الغراء – أمد الله بقاءها ونفع بها أمة الإسلام – إلى الكتاب والمثقفين والأدباء والشعراء من أهل بلادنا الجزائر – وقاها الله شر الآفات والأهواء وبلاد العالم العربي والإسلامي كافة – أن حافظوا على هذه اللغة وصونوها من التحريف والتبديل إذ أنتم حماتها وحصنها الحصين، ويسروها للناس بتسهيل تدريس قواعدها، وانشروا الوعي الصحيح بأنها لغة ذات رونق وجمال وحسن وبهاء، وبلاغة وفصاحة سهلة ميسرة.
رجائي من أصحاب الأقلام السيالة والفكر الوقاد والثقافة المحافظة وأرباب اللغة الفصحاء والشعراء المفلقين، والناثرين المبدعين، وأدباء الأمة ومعلميها أن يشاركوا بالمقالات والكتابات بالفصحى من الكلام في أنواع الصحف والمجلات، وأن يقيموا المسابقات الشعرية ومنتديات الأدب في المدارس والمحافل والجامعات، وأن يستغلوا وسائل الإعلام بمختلف أنواعها لتعليم هذه اللغة البديعة.
والله ولي التوفيق.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
.................................................. .........................
°- وهي مقدمة لكتابه الكبير في التاريخ الموسوم ب: (كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر)
°°- قال الألباني في (صحيح الأدب المفرد) (ص 228): صحيح الإسناد.
¥