تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن الحديث عن دور الشَّاهد الشعري المنتمي إلى العصر ذاته في شروح الشعر يتم في ضوء مستويات القراءة/الشرح المختلفة وهو بهذه الصورة يعد نصًّا موازياً للنص المشروح. وقد رأينا أن الوعي النصي أمر يمكن الاستدلال عليه من خلال الشواهد نفسها وتداخلها مع الشرح.

وهكذا خلص البحث إلى وجود فلسفة لاستدعاء الشواهد داخل شروح الشعر القديم، وأن هذه الفلسفة تسهم في بناء استجابة جمالية للنصوص المشروحة، وإبراز دور الشَّاهد في عملية القراءة والتأويل. إن تلك الشواهد التي تمثِّل أفق التوقع يمكن عن طريقها تحليل العمليات العقلية التي تحدث أثناء القراءة، وتحديد استراتيجيات القراءة، وآليات التفاعل النصي واستدعاء الشواهد، ومن ثم توضيح انفتاح القراءة الأدبية لدى الشارح عن طريق الجمع بين آراء مختلفة أثناء الشرح فيما يوحي بقبوله لهذه الآراء جميعاً، مع أن ذلك لا ينفي وجود معنى أقرب إلى أن يعد اختياراً له من بين تلك الآراء، والشواهد نفسها قد تسهم في ذلك، لأن الشارح لا يؤكد اختياراً معيناً، في معظم الأحيان.

بالإضافة إلى ما سبق، هناك ملاحظة أخرى كشفت عنها الدراسة، حيث أن كل قارئ/شارح من هؤلاء الشراح يُعَدُّ قارئاً تاريخياً بحيث إن كل شرح يتضمن آراء رواة وشراح آخرين قد سبقوهم؛ فشرح ابن الأنباري ‘ينفتح’ على القراءات/الشروح السابقة، وقد يضيف إليهم عن طريق شواهده الخاصة، أو عن طريق ذكر آراء لم يقلها أحد منهم والتي قد تسهم إسهاماً عميقاً على مستوى التأويل.

ومهما يكن من أمر، فإن الشواهد الشعرية على شروح المعلقات امتدت إلى الشواهد الإسلامية، مما يكشف عن وعي لدى الشعراء المسلمين بتواصل الشعر الكلاسيكي في تقاليده وتطورها كذلك على أيدي الشعراء المسلمين، فالرؤية الشعرية الجاهلية كانت تجد لها أثراً في الشعر الإسلامي، وكان الشراح يفسرونها ويعيدون قراءتها من الداخل بأدوات ’كتابية‘. وقد تفاعلت الشواهد الشعرية الإسلامية مع الشواهد الجاهلية بحيث برزت هذه وتلك كوحدة منسجمة لا تتعارض في الهدف الأساسي الذي جاءت من أجله، أي فهم النص المشروح وتأويله في ضوء آفاق توقعات مختلفة ومتشابهة.

في الفصول 3 - 9، عرضت الدراسة لآليات استدعاء الشواهد في شروح المعلقات. وقد كان هذا التقسيم بناء على أهمية هذه الآليات في إثراء دلالة النص الشعري. وقد عادت الباحثة في ذلك إلى التكوين الثقافي لهؤلاء الشراح. وربما نشير هنا إلى أن الفصل التاسع، كشف عن أن الخبر الذي يصاحب شرح بعض الأبيات يعد نوعاً أدبيًّا فقي حد ذاته، وقد لاحظت الباحثة أن الشواهد في سياقه جاءت جاهلية، ولم ترد في سياقه أية شواهد إسلامية. كما عرضت كذلك لخصوصية استدعاء نصوص المعلقات بوصفها شواهد، فالشارح كان يشرح المعلقات نفسها ويستدعي أبياتاً منها كلما رأي علاقة قوية تربطه بالنص المستشهد عليه.

وهكذا تضافرت الشواهد وكشفت عن وظيفة ‘كبرى’ للشواهد على مستوى القصيدة في نهاية الأمر. وقد ذكرت نماذج ختامية عن هذا التضافر من خلال الشواهد ودورها مجتمعة في إثراء دلالة النص الشعري، وذلك في الفصل الأخير من الدراسة.

والله ولي التوفيق

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير