تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولعل أرض الكنانة كسبت اسم "مصر" على أيدي القوى المشرقية منذ العصر الآشوري، أو قبيل العصر الأخميني، الذي كانت لغته الرسمية هي اللغة الآرامية، فبالأكادية "مصر" تعني: التخم، ومعناها في الآرامية "المجرى "، ومازلنا نستخدم كلمة "مصران" أكثر من كلمة أمعاء، وفي النصوص الآشورية وردت كلمة "مسري، مسرو" لتعني مجرى الفرات كله أو بعضه، ويقودنا هذا إلى المعنى القرآني حيث جاء في سورة البقرة (61) قوله تعالى (وإذا قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله)، وهنا إذا افترضنا أن الخروج كان من أرض الكنانة، فهل من المعقول أن يطلب منهم موسى عليه السلام العودة إليها، ثم كيف سيكون هنالك انشقاق للبحر مرة ثانية، ومجدداً أذكر ثانية أنه من المعروف جغرافياً أنه لا يوجد بحر يفصل بين مصر وشبه جزيرة سيناء، وأن الإسرائيليين الصهاينة قاموا أثناء احتلالهم لشبه جزيرة سيناء بالتفتيش في كل مكان، فلم يجدوا أي دليل على صحة حكاية الخروج حسبما وردت في العهد القديم، يضاف إلى هذا أن الخليل بن أحمد الفراهيدي بين في معجم العين (مادة مصر): " وقوله تعالى (إهبطوا مصراً) من الأمصار لذلك نونه، ولو أراد مصر الكورة بعينها لما نون، لأن الاسم المؤنث في المعرفة لا يجري " ومثل هذا ورد عند الطبري في تفسيره قوله " اهبطوا مصراً " من الأمصار لأنكم في البدو، والذي طلبتم لا يكون في البوادي والفيافي، وإنما يكون في القرى والأمصار (10).

ودفعت النتائج المحبطة لأعمال الكشف في شبه جزيرة سيناء، الصهاينة والذين يعملون بتوجيه منهم إلى القول بأن جبل الطور، أو بالحري جبل موسى لم يقع في سيناء بل في منطقة تبوك، وثارت زوبعة هذه الدراسات لبعض الوقت، لكنها انطفأت الآن أو كادت، وقد عرضت بثوب أكاديمي شبه جغرافي ولغوي مضلل.

وعلى رأس الاعتراضات على هذه الدراسات أنها غير موثقة، وطرحت بأن التوراة كتاب مواده معتمدة (11) وهو ليس كذلك، وهو ليس تاريخ ولا حتى كتاب دين أو ميثولوجيا، إنه مواد جمعت من مشارب كثيرة متنوعة ومتباينة، وقد استغرقت عملية تدوين هذه المواد وتنقيحها والإضافة إليها حوالي الألف وخمسمائة سنة، وفرضية اللغة والتشابه بين الأسماء مغوية، تحتاج إلى توثيق حسب المراحل التاريخية، أي مراحل الاستعارة من قبل الحاخامات عبر العصور، ولهذا أجمع العلماء على القول بأن كل فقرة من أسفار العهد القديم تحتاج إلى تحليل نقدي من أجل التيقن والإعادة إلى المصدر، والعصر، والمكان والكاتب، مع الاهتمام بالمناخ والتضاريس والزراعة، لا سيما وأن زراعة الزيتون غير موجودة في شبه جزيرة العرب، وكذلك الحياة الاجتماعية وغير ذلك كثير، ووراء هذه الدراسات هدف خطير، استهدف جعل مواد العهد القديم المعيار الذي تقاس عليه معلومات القرآن الكريم، وكذلك مرويات تاريخ العرب قبل الإسلام والمكتشفات الأثرية.

ولدى القول بأن منطقة خليج العقبة كانت المنطقة التي أنشق فيها البحر، ليتم العبور إلى بلاد مدين أي تبوك الحالية، لأن شبه جزيرة سيناء كانت دوماً بيد القوات المصرية من أجل المواصلات مع بلاد الشام، ومناجم النحاس واللازورد (الفيروز)، هذا القول صحيح يرافقه سؤال هو: كيف تسنى للخارجين الفارين الوصول من مصر إلى منطقة خليج العقبة، والمسالح المصرية منتشرة في كل مكان من سيناء، وبعد هذا كله لماذا أغفل المصريون القدماء تدوين أخبار هذه الأحداث الجسام؟ ويبدو أنه في الوقت الذي اكتسبت فيه أرض الكنانة أسماً آرامياً جديداً، نالت أيضاً تسمية أغريقية، انتقلت فيما بعد إلى اللغات الغربية، وأعني بذلك كلمة ايجبت وبات أهلها يعرفون بالتالي باسم "قبط" وأصل هذه التسمية هو أن المصريين القدماء أطلقوا اسم " حكفكت" أو " حكفت" على العاصمة "منوفر" التي دعاها الاغريق باسم " ممفيس (12) وقد حور الاغريق اسم "حكفت " إلى إيجبت، لأنهم كتبوا دوماً حرف الحاء "ألفا" والفاء "باء"، ومع الأيام أصبحت التسمية الجديدة معتمدة منذ العصور الكلاسيكية، حيث امتد الحكم الكلاسيكي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير