تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

1 - أخذ صاحب المقال قوله هذا كماهو ظاهر إحالته عن الدرر الكامنة لابن حجر. مع أنه في رحلة ابن بطوطة غنية لو تأملها! فقد صرح بذلك ابن جزي فيها إذ قال: "ونفذت الإشارة الكريمة بأن يملي ما شاهده في رحلته من الأمصار، وما علق بحفظه من نوادر الأخبار، ويذكر من لقيه من ملوك الأقطار، وعلمائها الأخيار، وأوليائها الأبرار، فأملى من ذلك ما فيه نزهة الخواطر، وبهجة المسامع والنواظر، من كل غريبة أفاد باجتلائها، وعجيبة أطرف بانتحائها. وصدر الأمر العالي لعبد مقامهم الكريم، المنقطع إلى بابهم المتشرف بخدمة جنابهم. محمد ابن محمد بن جزي الكلبي، أعانه الله على خدمتهم".

وهو ظاهر لمن تأمل صياغة الرحلة في غير موطن يستطرد فيه الأديب ابن جزي بسياق الأشعار والأخبار ثم يعيد الكلام لابن بطوطة. وابن جزي أديب ليس له من علم الشريعة مايؤهله للخوض في الرجال، بل له أشعار نسأل الله أن يتجاوز عن زلله فيها فإن فيها من شرك الألفاظ على أقل تقدير ومخالفات الشريعة ما فيها.

2 - لم يكذب البلفيقي وهو العلامة المحدث أبو البركات محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن خلف بن محمد بن سليمان بن سوار بن أحمد بن حرز الله بن عامر بن سعد الخير ابن أبي عتيق بن عباس بن محمد بن عنبسة بن حارثة بن عباس بن مرداس السلمي (664 - 774) لم يكذب ابن جزي [أبو عبدالله وهو محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن ابن يوسف بن جزي بن سعيد بن جزي الكلبي]، بل كذب ابن بطوطة نفسه، وأما من عارضه فهو ابن مرزوق وهو ممن أخذوا عن أبي البركات واسمه محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق العجيسي من أهل تلمسان، يكنى أبا عبد الله، ويلقب من الألقاب المشرقية بشمس الدين. كان بالأندلس ثم رحل إلى المغرب وجرت له محن مشهورة قتل في آخرها.

والشاهد أن البلفيقي إنما كذب ابن بطوطة ولم يكذب ابن جزي، وقد أخذ بعض دعاة التحقيق! [أعني به محقق دفع شبه من شبه وتمرد] من معارضة ابن مرزوق للبلفيقي أن ابن بطوطة صدوق! وهذا باطل فابن مرزوق لايقارن في الرجال بلبلفيقي، كما أن لابن مرزوق تصوف حكوا عنه فيه أقاصيص ليست بأعجب من بعض أقاصيص ابن خلدون من عينة التطير في الهواء والحط في الأرض. كما أنه كان شديد التعصب لأصحابه وإخوانه [ذكره ابن حجر في الدرر] وابن بطوطة من جملة أصحابه عند السلطان أبي عنان. كما أن ابن خلدون وصفه في غير موضع [أعني ابن مرزوق] باتباع هواه. وقد أرسل له لسان الدين ابن الخطيب نصيحة في تجنب الأمراء يرى فيه إنكاره مسائل على صاحبنا هذا [ذكرها في الإحاطة في أخبار رناطة]، وفوق ذلك كله لم يصرح ابن مرزوق بأن ابن بطوطة صدوق بل غاية مافي النقل نفي اتهامه بتعمد الكذب وأنه فاضل جواد.

وأخيراً ما دام الكلام عن ابن بطوطة فمن الأولى والأحرى نقل ما ذكره لسان الدين ابن الخطيب في الإحاطة في أخبار غرناطة عن شيخه أبي البركات وهو البلفيقي حيث قال: "حاله من خط شيخنا أبي البركات، قال، هذا رجل لديه مشاركة يسيرة في الطلب، رحل من بلاده إلى بلاد المشرق يوم الخميس الثاني من رجب عام خمسة وعشرين وسبعماية، فدخل بلاد مصر والشام والعراق، وعراق العدم، وبلاد الهند والسند، والصين، وصين الصين، وبلاد اليمن. وحج عام ستة وعشرين وسبعماية. ولقي من الملوك والمشايخ عالماً، وجاور بمكة. واستقر عند ملك الهند، فحظي لديه، وولاه القاضاء، وأفاده مالاً جسيماً. وكانت رحلته على رسم الصوفية زيا وسجية، ثم قفل إلى بلاد المغرب، ودخل جزيرة الأندلس، فحكمى بها أحوال المشرق، وما استفاد من أهله، فكذب، وقال، لقيته بغرناطة، وبتنا معه ببستان أبي القاسم ابن عاصم بقرية نبلة، وحدثنا في تلك الليلة، وفي اليوم قبلها عن البلاد المشرقية وغيرها، فأخبر أنه دخل الكنيسة العظمى بالقسطنطنية العظمى، وهي على قدر مدينة مسقفة كلها، وفيها اثني عشر ألف أسقف. قلت، وأحاديثه في الغرابة أبعد من هذا. وانتقل إلى العدوة، فدخل بلاد السودان، ثم تعرف أن ملك المغرب استدعاه، فلحق ببابه. وأمر بتدوين رحلته".

وقد كان تدوينه لرحلته هذه بعد سبع وعشرين سنة منها على ما أفاده الزركلي في الأعلام، وبضع وعشرين سنة على ما أفاده ابن خلدون في مقدمته.

هذه حال ابن بطوطة رحمه الله بشيء من التفصيل رقمتها على عجالة بغرض إثراء الموضوع ولعل لبسط الكلام في الرد على من اعتضد بخبره عن شيخ الإسلام مع غيره من الواهيات مجال آخر أسأل الله أن ييسر وقتاً لبيانه. والله المستعان.

ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[25 - 10 - 04, 12:29 ص]ـ

• الأخ الكريم المفضال .. حارث همام .. وفقه الله

جزاكم الله خيراً على إثرائكم الموضوع بالتعقيبات النافعة، ولعلَّكم تواصلون إفاداتكم المباركة. .

- تنبيه - • ليس المقصود من ذكر كذَبة المؤرِّخين أنَّ كلَّ أو أكثر ما أرَّخوه كذبٌ.

• بل المراد الحذر من نقولهم المنكرة وما يتفرَّدون به من الغرائب، ومنها: ما أشار إليه العلاَّمة ابن خلدون رحمه الله.

• وإلاّ‍َ فهذا الواقدي وما يُروى من جهته، وحاله حاله ‍!

• أما أنهم كذَبة لأجل أنه ثبت كذبهم مستفيضاً من وجوهٍ متعددة وفي أخبار متغايرة أولم يثبت ذلك =فليس ذلك طلبنا.

• إنما من ثبت كذبه مرَّةً فقد أبان لنا عورته فوجب الحذرُ منه (كما قيل عن المدلِّس).

ثم لا يعنينا كثيراً كونه كذب في كلِّ خبره صريحاً أو (بالمبالغات والتهويلات)، أو كان يكذب الشيء بعد الشيء.

- وبالله تعالى التوفيق ...

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير