تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المصامدة البربرية حيث عرف بمحمد بن تومرت الهرغي [6] كما قال بهذا الرأي

من الكتاب المحدثين محمد عبد الله عنان -رحمه الله-، إذ يرى أن هذا الادعاء ما

هو إلا نحلة باطلة وثوب مستعار قصد من ورائها ابن تومرت أن يدعم بها صفة

المهدي التي انتحلها أيضاً شعاراً لإمامته ورياسته [7].

ولا يشك المتتبع لتاريخ ابن تومرت في كذبه بهذا الادعاء وأنه إنما قال به

ليتخذه جسراً يصل عن طريقه لأغراضه وطموحاته، ويتأكد هذا إذا علمنا أن معظم

المؤرخين الذين أثبتوا له هذا النسب إنما هم من تلاميذه، أو من مؤرخي الدولة

الموحدية الذين سجلوا تاريخها بوحي من سلاطينها وأمرائها، وبتأثير من نزعتهم

العقدية الباطلة.

حفظ ابن تومرت القرآن الكريم ودرس بعض العلوم الإسلامية في بلاد

المغرب في صباه، ثم ارتحل سنة 501 هـ إلى الأندلس، ثم إلى بلاد المشرق

حيث تنقل بين عواصمه الثلاث (بغداد) و (مكة) و (القاهرة) [8]، وقد أفاد من هذه

الرحلة علماً غزيراً لاسيما في العلوم العقلية واللسانية [9]، حيث أعانه على ذلك

ذكاؤه المفرط ومثابرته وهمته العالية [10].

بداية ظهور ابن تومرت:

كان وضع معظم بلدان العالم الإسلامي في مطلع القرن السادس الهجرى

مضطرباً فالخلافة العباسية بالمشرق قد دب فيها الضعف، كما أن دولة العبيديين

بمصر قد كرهها الناس بسبب غلو حكامها وأعمالهم العدائية ضد الإسلام والمسلمين

، أما بلاد المغرب والأندلس فتخضع لحكم دولة المرابطين، وكانت قبضتها قوية

واتجاهها اتجاه سني حيث كان يتولى أمرها آنذاك السلطان علي بن يوسف بن

تاشفين (500 - 537 ه) وكان سلفياً ورعاً مجاهداً وهذا ما جعل الطريق صعباً أمام

ابن تومرت الذي بدأ ظهوره في بلاد المرابطين، ولهذا جاءت سهامه مسلطة ضد

هذه الدولة وسلطانها، فبعد أن وصل إلى المغرب سنة 505هـ بدأ يدعو الناس

إليه [11]، ولما كانت دعوته تقوم على أسس عقدية يشوبها كثير من الغبش

والانحراف فإنه لم يجرؤ في بادئ الأمر على إظهارها للناس صراحة، ولهذا انتحل

صفه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث يذكر البيذق [12]-أحد تلاميذ ابن

تومرت- أنه نهج هذا الأسلوب في بادئ الأمر، وأنه كان إذا خشي بطشاً خلط في

كلامه حتى ينسب إلى الجنون [13]، وهذا منهج كثير من الفرق الباطنية حيث

يلجأون إلى العبارات الموهية حتى لا تنكشف عقائدهم.

ظل ابن تومرت مدة عشر سنوات (505 - 515 ه) ينتقل بين أقاليم ومدن

المغرب الأقصى لعرض دعوته على الناس ونشر أفكاره بينهم فكثر أنصاره

ومؤيدوه وذاع صيته بينهم وتعارف الناس به [14]، فأضحى خطره يهدد كيان

دولة المرابطين، حينئذ استدعاه السلطان علي بن يوسف وسأله: ما هذا الذي بلغنا

عنك؟ فأجابه ابن تومرت في قوة بأنه يطلب الآخرة ويأمر بالمعروف وينهى عن

المنكر، وأن هذه مسؤولية الحاكم قبل غيره، ويذكر بعض المؤرخين أن السلطان

علي بن يوسف حين سمع ذلك أطرق برأسه إلى الأرض ملياً ثم أمر الفقهاء

بمناظرته واختباره [15]، فلما ناظروه تبين لهم حقيقة ما يحمله ابن تومرت من

آراء ومعتقدات تخالف طريقة أهل السنة والجماعة، فأوصوا السلطان بسجنه سداً

للذريعة ودرءاً للفتنة، لكن أحد المرابطين شفع فيه فأمر السلطان بإخراجه من

مراكش ولم يسجنه [16].

أدرك ابن تومرت بعد ذلك المخاطر التي تهدده من قبل المرابطين، لاسيما أن

دعوته قد وصلت إلى مرحلة الظهور والجهر بالأهداف، فقرر الانتقال الى بلاد

السوس مسقط رأسه حيث نزل على قومه وقبيلته مصمودة سنة515 هـ وذلك

لضمان الحماية اللازمة لدعوته [17].

وفي بلاد السوس أسس ابن تومرت مسجداً يجتمع به مع تلاميذه وزعماء

قبيلته حيث التف حوله الكثير من المؤيدين والأنصار فاختار منهم نخبة لتكون قاعدة

لدعوته حيث شرع بتدريسهم على شكل حلقات ودروس منظمة ومن خلال تلك

الدروس بث أفكاره بين تلاميذه، وأخذ يعدهم إعداداً خاصاً، فألف لهم كتاباً سماه

كتاب التوحيد بلسانهم البربري قسمه إلى سبعة أحزاب عدد أيام الأسبوع، وأمرهم

بقراءة حزب واحد منه في كل يوم بعد صلاة الصبح [18]، ويحتوي هذا الكتاب

على معظم أفكار ابن تومرت والأسس العقدية لدعوته، ولهذا يذكر ابن أبي زرع أن

ابن تومرت قال لتلاميذه: من لا يحفظ هذا (التوحيد) فليس بمؤمن وإنما هو كافر لا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير