تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تجوز إمامته ولا تؤكل ذبيحته فصار هذا التوحيد عند المصامدة كالقرآن العزيز "

[19].

وهكذا كفّر ابن تومرت من لا يتعلم مبادئ دعوته ويعمل بها ولاشك أن هذا

الشطط والمغالاة جعلت الكثير من اتباعه ينصرفون عن الأسس الإسلامية الصحيحة

إلى ما يقول به ويدعو إليه فغالوا في تعظيمه لدرجة العبودية -والعياذ بالله-.

لما شعر ابن تومرت بقبول دعوته في أوساط الهرغيين رأي توسيع إطارها

المكاني فاختار جماعة من أصحابه أرسلهم إلى القبائل القريبة من بلاد السوس

لاستمالة تلك القبائل للدعوة الموحدية [20]، وبعد أن اطمأن إلى قوة دعوته وإلى

تمكنه من قلوب أصحابه أخذ يشوقهم إلى (المهدي المنتظر) " ... فلما قرر في

نفوسهم فضيلة المهدي ونسبه ونعته، ادعى ذلك لنفسه وقال أنا محمد بن عبد الله

... ورفع نسبه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وصرح بدعوى العصمة لنفسه

وأنه المهدي وبسط يده فبايعوه .. ثم صنف لهم تصانيف في العلم منها كتاب سماه

(أعز ما يطلب) .. " [21].

كانت هذه هي خطوات ابن تومرت في تمهيد الطريق وجهوده في تأسيس

قواعد البناء قبل أن يدعو إلى مبايعته بالإمامة ويعلن قيام الدولة الموحدية، وقد

أعان ابن تومرت على اجتذاب المؤيدين في بلاد السوس ما كان يتمتع به أهلها من

سذاجة وجهالة وادعاءه النسب القرشي فضلاً عما يتمتع به ابن تومرت من ذكاء

وعلم وقدرة على التأثير والتنظيم [22].

مبايعة ابن تومرت بالإمامة:

لما اطمئن ابن تومرت إلى قاعدته وحسن ولائهم له دعا الناس إلى مبايعته

حيث يذكر ابن القطان أنه قام خطيباً فيهم ومما جاء في خطبته:

" ... الحمد لله الفعال لما يريد، القاضي بما يشاء، لا مرد لأمره ولا معقب

لحكمه، وصلى الله على سيدنا محمد المبشر بالمهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً

كما ملئت جوراً، يبعثه الله إذا نسخ الحق بالباطل، وأزيل العدل بالجور، مكانه

بالمغرب الأقصى واسمه اسم النبي، ونسبه نسب النبي .. " [23].

وبعد هذه الخطبة قام الناس فبايعوه بالإمامة وكان ذلك في الخامس عشر من

شهر رمضان سنة 515ه [24].

وهكذا نرى كيف أن ابن تومرت لم يجرؤ على إعلان ذلك الشطط في دعوته

إلا بعد أن وثق من ولاء عامة الناس له، وفي هذا يقول ابن خلدون:» ولما كملت

بيعته لقبوه بالمهدي وكان لقبه قبلها الإمام «[25].

وقد جاءت مبايعة ابن تومرت إماماً للموحدين قرب مراكش دون تصد

ومقاومة من قبل المرابطين أصحاب السلطة الشرعية هناك، بل ودون إحساسهم

بالخطر الداهم قرب عاصمتهم شاهداً على ضعف دولة المرابطين وقتذاك، وعلى

النجاح الكبير الذي حققه ابن تومرت لدعوته الناشئة.

أمضى ابن تومرت السنوات الثلاث التالية لسنة مبايعته في جهد متواصل

وعمل دؤوب لدعوته حيث خاطب القبائل القريبة منه يدعوهم إلى الدخول في

طاعته، ونبذ طاعة المرابطين، فاستجاب له بعض القبائل [26]، ولكي يوفر

مزيداً من الأمن لدولته ودعوته غادر جبل ايجليز في بلاد السوس سنة 518 هـ

إلى قرية تينملل ببلاد هرغة [27]، وقد جاء اختياره لها بسبب حصانتها لوقوعها

على ربوة عالية في سفح جبل درن، ولا يمكن الوصول إليها الا من طريق واحد

لا يتسع لغير فارس واحد، ويصف ابن القطان منعة تينملل بقوله: " يسد خللها أقل

عصبة من الناس " [28].

ويبدو أيضاً أن ابن تومرت أراد من ذهابه إلى تينملل الابتعاد عن زعماء

قبيلته ليتوقى مغبة تدخلهم في شئون دولته الناشئة لا سيما وهو في مرحلة وضع

الأسس الأولى لها.

أصبحت تينملل عاصمة لدولة الموحدين الناشئة حيث قسّم ابن تومرت

أراضيها وديارها على أصحابه الموحدين ليسكنوا فيها، كما بنى مسجداً وداراً له

بينهم [29]، وفي تينملل وضعت أسس دولة الموحدين ومنها انطلقت جيوشهم،

كما وزع ابن تومرت مسئوليات الدولة ووظائفها على أصحابه الموحدين حسب

ولائهم لطاعته [30]، ويذكر المراكشي أن ابن تومرت بعد أن كثر لديه المؤيدون

والأنصار سماهم بالمؤمنين وقال لهم: " ما على وجه الأرض من يؤمن إيمانكم،

وأنتم العصابة المعنيون بقوله -عليه الصلاة والسلام-: " لا تزال طائفة

بالمغرب ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله " وأنتم الذين

يفتح الله بكم فارس والروم، ويقتل الدجال، ومنكم الأمير الذي يصلي بعيسى بن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير