الجمعة الثانية، وأبطل الخطبة للمعز «[9].
والمعز هذا الذي يقول عنه ابن الأثير:» وكان فاضلاً «كان مغرمَّاً بالنجوم
ويعمل بأقوال المنجمين، وقد أشار عليه أحدهم أن يختفي سنة كذا لأنها شؤم عليه،
فعمل سرداباً واختفى فيه، فكان أحد جنوده إذا رأى سحاباً سلم عليه ظناً منه أن
المعز فيه [10]، وهذا يدل على تشجيعه للغلو فيه.
وجاء بعد المعز ابنه نزار الملقب بـ (العزيز) الذي استوزر يعقوب بن
يوسف ابن كلس، وهو يهودي الأصل، ثم عيسى بن نسطورس النصراني الذي
استناب على الشام يهودياً يعرف بـ (منشا)، فارتفعت كلمة النصارى واليهود في
عهد هذا الوزير، وكان وزير المنصور الملقب ب: (الحاكم) وزيراً نصرانياً اسمه
فهد بن إبراهيم. كما أن وزير الحافظ كان بهرام الأرمني الذي استقطب حوله أبناء
جنسه وأساء السيرة، حتى اضطر للهرب إلى بلاد الشام [11].
وأما أفعال (الحاكم) القبيحة، ومحاولة ادعائه الربوبية، وتصرفاته الغريبة
المتناقضة فهي مشهورة معلومة، وفي أواخر عهد العبيديين: استعانوا بالروم خوفاً
من توسع دولة نور الدين زنكي، مما اضطره لإرسال صلاح الدين الأيوبي لإنقاذ
مصر من الخطر المحدق بها.
والخلاصة أنها دولة باطنية إسماعيلية ابتلي بها المسلمون أكثر من قرنين.
مع البويهيين:
ليس من العسير لمن يقرأ ما كتبه ابن الأثير في (الكامل) أن يحس بتعاطفه
مع الدولة البويهية، فهو لا يذكرهم إلا مادحاً معظماً الأوائل منهم، بل يغالي في
المديح أحياناً عندما يعتبر وفاة ركن الدولة الحسن بن بويه مصيبة للدين والدنيا معاً،
ثم يقول في نهاية ترجمته: (رضي الله عنه وأرضاه).
وفي ترجمته لمعز الدولة البويهي -وهو ثالث الإخوة الذين حكموا العراق
وبلاد فارس-، يقول ابن الأثير:» وكان حليماً كريماً عاقلاً «. أما ابن كثير
فيقول عنه:» بنى داراً ببغداد، فخرب معالم بغداد بسببها، وكان رافضياً خبيثاً،
وفي عهده كتبت العامة من الروافض على أبواب المساجد بلعن كبار الصحابة من
الخلفاء الراشدين ولم ينكر عليهم معز الدولة، ولم يغيِّره، قبَّحه الله وقبح شيعته من
الروافض «[12].
ويقول ابن الأثير عن عضد الدولة بن ركن الدولة الحسن بن بويه:» وكان
عاقلاً فاضلاً، حسن السياسة، كثير الإصابة، محباً للفضائل وأهلها «[13].
والحقيقة: أن عضد الدولة لا يختلف كثيراً عن (معز الدولة)، وكان وزيره
نصر بن هارون نصرانياً، وهو الذي أنفق سنة كاملة لعمارة المشهد العلوي [14].
والدولة البويهية كانت من الأسباب القوية لإضعاف الخلافة العباسية، بل فكَّر
ملوكها بإزالة الخلافة عن بني العباس ونقلها إلى الطالبيين، لولا النصيحة التي
جاءت بأن وجود خليفة عباسي ضعيف خير من وجود خليفة طالبي تزول بوجوده
شرعية البويهيين أمام أتباعهم الشيعة، ومع ذلك فقد كانوا مستهترين بالخلافة، فقد
نهب بهاء الدولة قصر الخليفة الطائع وقبض عليه وخلعه من الخلافة، وكانت
للدولة البويهية صلات جيدة مع القرامطة الباطنيين [15].
ولم يقدموا أي مساعدة للمسلمين الذين قدموا بغداد سنة 361 هـ مستغيثين
من الروم، وكان السلطان البويهي في رحلة صيد في الكوفة فخرج أهل بغداد
منكرين عليه ذلك، فوعدهم بالمساعدة، ثم إن " بختيار " طلب من الخليفة مالاً
لتجهيز الناس، وأجبره على دفع المال، ثم صرفه في مصالحه الخاصة وبطل
حديث الغزاة [16].
الإمارة الأسدية:
عندما ضعفت الخلافة العباسية طمع كل صاحب قوة في اقتسامها، وأخذ
جزءاً منها ليعلن فيه مملكته ولو كانت هذه المملكة مدينة صغيرة، وفي هذا الجو
من التمزق والأنانية وجدت الإمارة الأسدية، نسبة إلى بني أسد بن خزيمة، وأول
أمرائهم المشهورين: علي بن مزيد، ثم ابنه المنصور، وبرزت في عهد صدقة بن
منصور الذي أنشأ مدينة الحلة [17] واتخذها عاصمة قبيلته وإمارته، كما اتخذوا
التشيع عقيدة لهم.
هذه الإمارة مثل بقية الدول الصغيرة التي عاشت في هذا العصر، تعيش على
التناقضات والتحالفات مع السلاطين الأقوياء ولا تهتم بمصلحة عامة، فهي لا تقيم
ديناً ولا دنيا، وإن كان أمراؤها الأوائل من أصحاب الشجاعة والكرم.
وابن الأثير يمدح هؤلاء الأمراء ولا يذكر مساوئهم، وأهمها: الخروج على
¥