تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مشهورة، فهو صاحب (أسد الغابة في معرفة الصحابة)، وأخوه مجد الدين أبو

السعادات صاحب (جامع الأصول)، ووالده من كبار موظفي الدولة الزنكية، وهي

دولة سنية، وعاش في مدينة سنية وهي الموصل، وقد تتبعت من كتب عنه أو

ترجم له أو لمن أخذ عنهم من العلماء؛ فلم أجد جواباً شافياً عن السؤال المتبادر: ما

هو سبب هذا الاتجاه عند ابن الأثير؟؛ وقد انتقدوه لتحامله أحياناً على صلاح

الدين الأيوبي، وعللوا ذلك بتعصبه للأسرة الزنكية والأخلاق، ولكن لم يشيروا إلى

مدحه لملوك الدولة العبيدية وغيرهم مما سنوضحه في هذا المقال، ولعل الله ييسر

لنا الاطلاع على مصادر أخرى، لنحاول كشف أسباب هذا الميل عند مؤرخنا

الكبير.

الدولة العبيدية:

نشأت هذه الدولة في المغرب بين قبائل تجهل الإسلام؛ فانخدعوا بدعوة أبي

عبد الله الشيعي، وناصروه حتى استقر له الأمر، واطمئن فكتب إلى رئيسه

الباطني في مدينة (سلمية) في بلاد الشام أن يقدم إليه، فلما دخل المغرب تسمَّى

بعبيد الله، ولقَّب نفسه بالمهدي، والعلماء يقولون: إن اسمه سعيد، وهو من ولد

ميمون القداح الملحد المجوسي. وعندما تمكن عبيد الله بطش بأقرب الناس إليه

والذي أسس له الملك، داعيته أبي عبد الله الشيعي، وبطش بالمخالفين من قبيلة

(كتامة)، ولم يعلق ابن الأثير على ظلمه هذا، بينما نجده ينتقد ما فعله عبد الملك

بن مروان بعمرو بن سعيد الأشدق حين غدر به وقتله، فقال:» وكان عبد الملك

أول من غدر في الإسلام «[1]، وعندما ذكر كلام عبد الملك في مرضه الأخير

وهو يذم الدنيا ويحذر من الآخرة قال:» ويحق لعبد الملك أن يحذر هذا ويخاف،

فإن من يكون الحجاج بعض سيئاته، علم أيَّ شيء يقدم عليه «[2]، أما ما فعله

عبيد الله بالعلماء العاملين الذين كرهوا دولته وعقيدته الفاسدة كالإمام أبى جعفر

محمد بن خيرون المعافري، حين قتل تحت أرجل زبانية عبيد الله [3]، فهذا لا

يذكره ابن الأثير، وجرائم عبيد الله وذريته بعلماء أهل السنة كثيرة كابن البردون

الإمام الشهيد، الذي قتله داعية عبيد الله صلباً [4]، والإمام الشهيد قاضي مدينة

برقة محمد بن الحبلي الذي قتله إسماعيل الملقب بالمنصور، وهو حفيد عبيدالله.

يقول الذهبي: علق في الشمس إلى أن مات، وكان يستغيث من العطش فلم يسق،

ثم صلبوه، فلعنة الله على الظالمين [5].

يقول المؤرخ عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي الملقب بأبي شامة عن عبيد

الله:» وكان زنديقاً خبيثاً عدواً للإسلام، متظاهراً بالتشيع، قتل من الفقهاء

والمحدثين جماعة كثيرة، ونشأت ذريته على ذلك، وكان يرسل إلى الفقهاء

والعلماء فيذبحون في فرشهم، وأرسل إلى الروم وسلطهم على المسلمين «[6].

ويقول عن أولاده:» ولما هلك قام ابنه المسمى بالقائم، وزاد شره على شر

أبيه أضعافاً، وجاهر بشتم الأنبياء «[7].

هذا رأي كثير من علماء المسلمين والمؤرخين في ذرية عبيد الله، ولكن ابن

الأثير في ترجمته لملوك هذه الدولة لا يكتفي بالسكوت عن مساوئهم، بل يمدحهم

ويطريهم، ويحاول التهوين من شأن عقائدهم المخالفة لعقائد أهل السنة. قال في

ترجمة معد بن إسماعيل الملقب بالمعز، وهو رابع ملوكهم:» وكان فاضلاً جواداً،

شجاعاً، جارياً على منهاج أبيه من حسن السيرة وإنصاف الرعية، وستر ما

يدعون إليه إلا عن الخاصة، ثم أظهر، وأمر الدعاة بإظهاره، إلا أنه لم يخرج فيه

إلى حد يذم به «[8].

وإذا كان سب الصحابة وإكراه الناس على عقائدهم الفاسدة شيء لا يذم، فمتى

إذن يذمون؟!.

وحاول مرة أخرى الاعتذار عن شاعر (المعز) محمد بن هانئ الذي قتل في

برقة وهو مرافق لسيده في انتقاله إلى مصر، قال:» وكان من الشعراء المجيدين

إلا أنه غالى في مدح المعز، حتى كفَّره العلماء لقوله:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار

وبعد أن سرد له أشعاراً أخرى توجب الكفر قال:» وبالجملة فقد جاوز حد

المديح «، هكذا مجاوزة فقط، وليس كفراً صريحاً.

وبعد أن استقر المقام للمعز في مصر أرسل أحد قواده لأخذ بلاد الشام،

واستطاع هذا القائد احتلال دمشق، إلا أن الشريف أبا القاسم الهاشمي جمع الناس

للمقاومة، فقال ابن الأثير:» فجمع أحداثها، ومن يريد الفتنة، فثار بهم في

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير